IMLebanon

على الجمهورية السلام…

 

في 19 تشرين الأول الماضي وبعد يومين على انطلاق الثورة، أطلّ السيد حسن نصرالله بخطاب توجّه فيه إلى الثوّار، قال فيه حرفياً وبنبرة تهديدية: “العهد… ما فيكن تسقطوه”، وعلى الرغم من تمسكه بالحكومة ومعارضة استقالتها، ومع استمرار التحركات الاحتجاجية وقبل سقوط نقطة دم واحدة استقال الرئيس سعد الحريري.

 

لم تتوقف التحركات، إلا بعد تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة من 69 نائباً يمثلون المحور الإيراني، وبطريقة لم تنطبق عليها “الميثاقية” التي احتمى خلفها الرئيس ميشال عون وأوصلته إلى سدة الرئاسة. قدّم دياب نفسه بأنه المنقذ وداعم للثورة.

 

هدأ الشارع، وبدأت عملية التشكيل على الطريقة اللبنانية المخالفة للدستور، “حصص، ومعايير” وخلافات بين القوى المكلّفة لدياب على وزارات وأحجام، ليتبين أن الحكومة التي ضمّت وجوهاً جديدة، ليست سوى “حكومة أقنعة” تديرها القوى السياسية “عن بعد”. وعلى الرغم من ذلك، اعطى الشعب والقوى المعارضة فرصة لدياب ليثبت عكس ذلك، وليبدأ بتحضير خطة تنقذ البلاد من الاوضاع الاقتصادية الصعبة.

 

ومع كل جلسة حكومية تكشف الحكومة جزءاً من وجهها. عجزت عن اجراء التعيينات المالية (نواب حاكم مصرف لبنان)، وعن انجاز التشكيلات القضائية، وخلال أزمة “كورونا” كانت فضيحة المساعدات للفقراء إذ تبين أن الأحزاب الموالية فخخت اللوائح بأسماء حزبية، مرت القضية من دون أي محاسبة، واقتصرت انجازاتها على اقرار مشروع سد بسري الذي تعترض عليه مجموعات الثور، وعلى اقرار طابع بريدي بمناسبة التنقيب عن النفط وتبيّن في ما بعد أن نسبة الغاز في البلوك 4 “صفر مكعّب”.

 

ومع استلام دياب السلطة التنفيذية بدأ سعر الليرة بالانهيار، وتراجعت القدرة الشرائية لدى المواطن أمام ارتفاع الأسعار، ولم تستطع الحكومة أن تضبط جشع الصرافين والتجّار، وزادت أزمة “كورونا” في الطين بلّة، ودخلت البلاد في كارثة اقتصادية غير مسبوقة، تنذر بثورة جياع.

 

رسم “حزب الله” لدياب الخطوط الحمراء، وخطفه العهد ليضعه في موقع أي موظف رسمي برتبة مدير عام، وتحول السراي الحكومي إلى وزارة لجان، وباتت غالبية الاجتماعات في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية وبحضور الوزير السابق سليم جريصاتي وباشراف رئيس الظل جبران باسيل، فيما المفترض بحكومة “الاختصاصيين” التي صمتت الثورة على هوية رئيسها ووزرائها أن تكون مطلقة اليد وليس مكبّلة بسلاسل العهد. فقدت كرسي رئاسة الحكومة هيبتها، ووصل الأمر إلى حد منع دياب من ادراج بند موظفي المفتشية التربوية على جدول أعمال، بكل الأحوال… “القاضي راضي”.

 

فشل دياب المتكرر بتقديم أي جديد للبنانيين، دفعه إلى تقمص حالة الانفصام نفسها في بعبدا وحارة حريك، برمي المسؤولية على الآخرين، وبات يغني على لحن “حزب الله” و”الوطني الحر” الشهير “30 سنة ماضية”. ممنوع عليه التواصل مع صندوق النقد الدولي لأنه يمثل “الوصاية الأميركية”، وممنوع عليه أن يقترب من السلاح غير الشرعي، ولا قطاع الكهرباء ولا الاتصالات ولا معابر التهريب. فساد القوى الموالية اشتراه دياب بكرسي الحكومة، وهو مسموح له مهاجمة القوى المعارضة والمصارف وحاكم مصرف لبنان.

 

بعد ثورة “17 تشرين” التي أشعلتها “6 دولارات شهرية” قال نصرالله “العهد.. ما فيكم تسقطوه”، وكان “حزب الله” يسيطر على 19 وزيراً من الحكومة السابقة، واليوم، في ظل حكومة وعهد وبلاد يديرها الحزب بالكامل، ومع تطور الثورة إلى “جيّاع” أطل النائب ابراهيم الموسوي بتغريدة تهديدية: “وان اسقطم الحكومة ستسقطكم في الشارع”، وبالتالي نحن أمام رئيس جمهورية لم يخرج في الثمانينات من قصر بعبدا إلا بعدما دمرته الطائرات السورية، ورئيس حكومة استيقظ على صفة “دولة الرئيس”، لن يعنيهما أي تطور ثوري…

 

وبقاء عهد “حزب الله” وحكومته مرهون بأمرين: الأول الاتجاه سريعاً إلى صندوق النقد الدولي لأن لبنان يحتاج 15 مليار دولار لا قدرة لديه على تأمينها بأي خطط محلية، والثاني مصالحة العرب ورمي الأجندة الإيرانية بعيداً من لبنان…

 

عدم اتجاه الحكومة والحزب والعهد إلى الخيارين معاً، يعني دفع البلاد إلى فوضى عنفية غير مسبوقة…

 

وعلى الجمهورية السلام…