Site icon IMLebanon

العد العكسي… بدأ

 

 

فيما كانت عدسات التلفزة اللبنانية ومساحات الاعلام تركّز على حضور رئيس حزب «القوات اللبنانية» لمؤتمر بعبدا مغرّداً خارج سرب المعارضين لرئيس الجمهورية ولحكومة الرئيس حسان دياب، كان تركيز الديبلوماسيين الغربيين المعتمدين في لبنان يتمحور حول الكلمة التي ألقاها رئيس كتلة «حزب الله» النيابية النائب محمد رعد.

صحيح أنها جاءت استكمالاً للموقف الذي كان قد أعلنه أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصر الله قبل يومين حيال موافقته على التعاون مع صندوق النقد الدولي، الّا انّ تجديد هذا الموقف خلال الاجتماع المخصّص لإبداء الملاحظات على الورقة الاقتصادية للحكومة من قصر بعبدا له طابع رسمي كامل.

 

فيوم الاثنين الماضي اهتَمّت الدوائر الديبلوماسية الغربية بمتابعة خطاب السيد حسن نصر الله، وكان انطباعها ايجابيّاً حيال الرسائل المَرنة التي تضمنها، وتحديداً لناحية إعطاء الضوء الاخضر للانطلاق باتجاه صندوق النقد الدولي، ولو أرفق ذلك بشروط حيال الخلفيات السياسية.

 

قبل ذلك كان الشارع قد تحرّك، ولكن مع ظهور عناصر ملثّمة نفّذت، من دون سابق إنذار ولا حتى من دون تَدرّج في «التسخين» التصاعدي، عمليات استهداف وحرق للمصارف في صيدا وطرابلس وتطورت بسرعة باتجاه الاعتداء على وحدات الجيش لتصل الى حدود إلقاء قنبلة يدوية باتجاه احدى الآليّات، وإطلاق رصاص.

 

كان واضحاً انّ الملثّمين قد حَضّروا أنفسهم مسبقاً وحدّدوا أهدافهم مسبقاً: في الشكل باتجاه المصارف وفي الحقيقة باتجاه الجيش.

 

تحركت السفيرة الاميركية للوقوف فعلياً على خلفيات ما يحصل، وما اذا كان في المسألة رسائل هدفها واشنطن من خلال الجيش. ذلك انّ البعض رَوّج لمقولة انّ «حزب الله» يقف وراء ما يحصل إن لم يكن مباشرة فإنما من خلال «قبّة باط»، وهذا ما يفسّر قيام عناصر محترفة بما حصل. لكن سرعان ما تبيّن ان لا علاقة لـ»حزب الله» بما حصل، فلو كان ذلك صحيحاً لكان يعني أنّه يوجّه رسالة اعتراض ميدانية على توجّه لبنان الى صندوق النقد الدولي، والتلويح بأنه مُستعد لقلب الطاولة.

 

لكنّ سياق الاحداث كان يخالف هذا الاستنتاج، فوزير المال غازي وزنة كان قد تولّى خلال الاسابيع الماضية مفاوضات ماراتونية مع صندوق النقد الدولي انتجَت تفاهماً سمحَ بولادة خطة الحكومة الاقتصادية، وكان واضحاً بالنسبة لواشنطن انّ وزنة المحسوب على الرئيس نبيه بري كان يقوم بإطلاع «حزب الله» ونَيل موافقته. لذلك جاء موقف السيد حسن نصرالله يوم الاثنين الماضي مهماً جداً بالنسبة لواشنطن، وتلاه التزام رسمي للحزب من خلال كلمة النائب محمد رعد في قصر بعبدا.

 

ولم ينتبه كثيرون الى أنّ مسؤولة صندوق النقد الدولي تواصلت مع رئيس الحكومة حسان دياب هاتفياً بعد ساعات معدودة على كلام السيّد نصرالله.

 

قبل ذلك، كان «حزب الله» يعمل بهدوء مقصود في الكواليس لتجاوز الانقسامات السياسية الحادّة وتأمين الحد الادنى من نجاح مؤتمر بعبدا، والذي كان انفجر بقوة يوم طرح التعيينات المالية. فساهَم «بنعومة» في زيارة الرئيس حسان دياب الى عين التينة، وكذلك تعبيد الطريق بين عين التينة وقصر بعبدا، وهو ما أمّن زيارة النائب جبران باسيل للرئيس بري.

 

كما ساهم الرئيس بري في إنضاج ظروف زيارة وليد جنبلاط الى قصر بعبدا. فالمطلوب حد أدنى من المناخ المعقول للانطلاق الى مفاوضة صندوق النقد الدولي.

 

أضف الى ذلك وجوب اعادة بعض النقاط الى قصر بعبدا وبعض الاوراق التي خسرها منذ 17 تشرين الأول الماضي.

 

لذلك، وفي إطار استعادة بعض الخسائر، حرص رئيس الجمهورية على الاكثار من حركته وحضوره. وعلى سبيل المثال كان لافتاً انعقاد جلسات متتالية لمجلس الدفاع الاعلى، فيما كانت هذه الجلسات قليلة جداً خلال النصف الاول من الولاية.

 

وقد يكون احد اهم اسباب المقاطعين لاجتماع قصر بعبدا مَنع الرئيس عون من استعادة بعض الاوراق التي خسرها.

 

المهم انّ لبنان قرعَ جرس صندوق النقد الدولي الذي بادر الى فتح الباب.

 

وقريباً، أي خلال اسبوع، سيتواصل لبنان رسمياً مع مسؤولي الصندوق للبدء بالمرحلة الاولى، والتي تتضمّن مفاوضات حول البرنامج الذي أقرّته الحكومة، قد لا يزور وفد من الصندوق لبنان بسبب كورونا، لكنّ التفاوض سيحصل بطرق اخرى. ومن المفترض ان تأخذ هذه المرحلة فترة تمتد ما بين شهر او شهرين كحد اقصى، لتبدأ بعدها المرحلة الثانية والمخصّصة لمسألة التمويل وتحديد المبالغ والمسائل العملية التطبيقية الاخرى، والتي قد تكون بحاجة لثلاثة أشهر او اربعة.

 

وخلال اجتماع السفراء في السراي الحكومي، أبدى السواد الاعظم من هؤلاء تأييدهم الواضح للخطة، والبعض منهم أثنى على حرفية وزير المال ومقاربته العلمية الصحيحة للوضع. وقد تكون الورقة الاقتصادية لم تتطرّق الى كل النقاط الصعبة التي سينفذها لبنان، فعلى سبيل المثال لا مفر من قرار شطب نصف الفوائد التي نالتها الودائع التي تفوق الخمسمئة ألف دولار.

 

وهو ما يعني انّ بعض هذه القرارات ستكون موجعة وستفتح الباب امام اعادة تحرّك الشارع. لكنّ واشنطن، التي تحضّر من دون شك، رؤيا سياسية يستند اليها صندوق النقد الدولي، لا تريد ان يجري طرح إصلاحات مجتزأة ومحاربة جزئية للفساد، اي ان يطيح اهل السلطة بأخصامهم السياسيين وفق ملفات مجتزأة، وليست شفافة او كاملة. كما انّ واشنطن تريد لهذه الحكومة الاستمرار للقيام بإصلاحات جدية، ولمواكبة التطورات الاقليمية الخطرة، وهنا بيت القصيد. فيوم الاربعاء المقبل ستعلن الحكومة الائتلافية في اسرائيل، او المولود «الوحش» الذي يقلق الجميع، لذلك سيستبق وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو الاعلان ويزور اسرائيل مطلع الاسبوع للقاء نتنياهو وغانتس في محاولة للجم اندفاعتهما تجاه ضَم أجزاء من الضفة الغربية.

 

ففي الأفق اشارات معبّرة بين واشنطن وطهران. في العراق منح الثقة لحكومة الكاظمي بعد تعذّر تأليف حكومة منذ استقالة حكومة عادل عبد المهدي في تشرين الثاني الماضي. وترافَق ذلك مع هدية اميركية أعلنها بومبيو بتجديد الاستثناء للعراق، وبالتالي السماح للعراق باستيراد الكهرباء من ايران لمدة 120 يوماً، وهو ما تحتاجه خزينة ايران بقوة.

 

وفي موازاة ذلك أجواء ايجابية في لبنان بين «حزب الله» وصندوق النقد الدولي التي تقف خلفه واشنطن. ما يعني انّ ثمة بوادر ايجابية واعدة قد تؤسس لمرحلة جديدة. ففي العام 2021، أي بعد الانتخابات الاميركية، مشروع جديد للمنطقة بدءاً من سوريا والعراق وسيشمل لبنان بالتأكيد.

 

وما يحصل اليوم من تمهيد وترتيب هو للتحضير لتلك المرحلة. تفاهمات جديدة في العراق، وإعادة ترتيب رجال السلطة في سوريا، وتأمين الظروف الملائمة في لبنان لطبقة سياسية جديدة سيغيب عنها بالتأكيد العديد من الاشخاص الذين يحتلّون صدارة الاحداث.