Site icon IMLebanon

«حزب الله» ومأزق القوّة المعطّلة (1/2)

السلاح وحده لا يكفي لحكم لبنان

 

في كلّ مرحلة يواجه فيها «حزب الله» مأزقاً سياسياً أو استراتيجياً، تعود بيئته الحاضنة إلى استخدام نغمة التلويح بتكرار عدوان السابع من أيار عام 2008 على بيروت والجبل لحسم الموقف وفرض إرادة الحزب على اللبنانيين كما حصل في سوابق عدّة من الاستخدام الفعلي للسلاح في الداخل أو التلويح به لكسر الخصوم في السياسة والشركاء في الوطن.

 

اليوم يقف «حزب الله» على أبواب مرحلة ربما تكون الأصعب في تاريخه، فهو تمكّن من تحقيق حلمه في حكم لبنان من خلال منظومة التحالف مع الرئيس ميشال عون و»التيار الوطني الحر» والحصول على أغلبية نيابية وتعيين رئيس حكومة محكوم الولاء للقوى التي جاءت به إلى السراي الكبير، ولكنه في الوقت نفسه، يحصد ثمار سياساته المدمّرة لقواعد الاقتصاد والتي تسببت في عزلةٍ غير مسبوقة لبلاد الأرز، بحيث دخل لبنان نفق الانهيار والمجاعة والإفلاس، مع تحميله المسؤولية باعتبار أن الحزب هو الحاكم المسيطر.

 

بين البطريرك والرئيس

 

يدرك «حزب الله» أنه رغم عدم وجود جبهة سياسية معلنة ضدّه، إلاّ أنه يواجه مشاكل أكثر عمقاً، أخطرها ذلك التباين المتزايد مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي حول أكثر الملفات وخاصة علاقات لبنان الخارجية، والتطوّر في موقف الكنيسة المارونية مع تصدّي البطريرك بشارة بطرس الراعي للحملة على حاكم مصرف لبنان وتوجيهه رسالة واضحة للرئيس ميشال عون تدعوه إلى اعتماد العقل في مقاربة علاقته بحلفائه، ومراجعة هذه التحالفات، فضلاً عن توالي حظر الحزب في دول أوروبية، وآخرها ألمانيا، ومأزق العلاقات المكتومة مع النظام السوري، فانعكست هذه الأزمات على جمهوره وبيئته، وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي حملاتٌ تدعو الحزب إلى استخدام السلاح في وجه معارضيه وإلى نبذ العيش المشترك واعتماد القوة في إدارة البلد.

 

في الواقع، لم يكن ما ظهر على وسائل التواصل سوى انعكاس لرسائل ساخنة أرسلها «حزب الله» يميناً وشمالاً لجميع القوى السياسية بأنّ صبره قد شارف على النفاد وأنه «سيقوم بما يلزم» للحفاظ على مصالحه الاستراتيجية، بما في ذلك استخدام القوّة لمنع قيام أي تحالفات يمكن أن تخلط الأوراق وتغيّر المعادلات السياسية والأمنية التي أرساها وفرضها بغضّ النظر عن المخاطر والتداعيات التي يمكن أن تنتج عن هذه الخطوة.

 

التعطيل شيء والإدارة شيء آخر

 

يكابد «حزب الله» حقيقة أن السلاح وحده لا يكفي لحكم لبنان، لأنه رغم كلّ ما يتمتع به من دهاء ومكر استمدّه من ثقافة حائك السجّاد الإيرانيّ، إلاّ أنّه لم يستطع فهم التركيبة اللبنانية بهشاشتها ومناعتها، ببساطتها وتعقيداتها، وبأنّها لا تسمح لأيّ طرفٍ بالغلبة الدائمة، بل إنها دائمةُ التقلّب، ولا تستقرّ إلاّ بتواضع الجميع وعودتهم للعقل وللانتماء الوطني، وبالتعاون لتحييد لبنان عن الصراعات انطلاقاً من هويته العربية وميزته التعدّدية وتجربته في الحرب والولوج إلى السلم، وهي تجربةٌ تشكّل حاجة للمحيط العربي، ومدخلاً لتجاوز مآزق وصراعاتٍ أجّجها الإيراني ولا يزال يتغذّى من مآسيها.

 

ليس بوسع قيادة «حزب الله» الخروج من المشروع الإيراني، لكنها تدرك الآن أنها فشلت في فرض نموذجها على اللبنانيين وأنها في ذروة قوّتها السياسية والعسكرية لا تستطيع الاستمرار في حكم البلد، فالحزب عامل بارع في التخريب والتعطيل، لكنه فاشل كبير في الحكم والبناء، والسلاح وحده ليس كافياً لحكم لبنان.