قبل أيام، قدّم «حزب الله» جردة حساب عن حصيلة تجربته في مضمار محاربة الفساد، لمناسبة مرور سنتين على انخراطه في هذه المعركة، بدءاً من أيار 2018. ولكن ما هي الاشكاليات التي تواجه تلك التجربة؟ وكيف يجري التعامل معها؟
يعلم الحزب انّ القوة العسكرية التي يملكها لا يمكن صرفها في ميدان مكافحة الفساد، حيث «قواعد الاشتباك» مغايرة تماماً، وهذا ما دفعه إلى الإقرار، من البداية، بأنّ المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي هي أسهل من المواجهة مع منظومة الفاسدين التي تمتد جذورها عميقاً في تراب الدولة اللبنانية.
ومع ذلك، يؤكّد المطلعون على ما يدور في كواليس الحزب أنه ليس في صَدد التراجع عمّا بدأه، مشيرين إلى انّ المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب حسن فضل الله منذ أيام، لمناسبة مرور عامين على تَسلّمه ملف الفساد، انطوى على رسالة بأنّ زخم الانطلاقة مستمر، إنما وفق منهجية تعتمد على محاولة تحقيق الفوز بالنقاط في مباراة لا تُربح بالضربة القاضية.
وبِمعزل عن الضغوط المستجدة التي فرضها فيروس كورونا والانهيار الاقتصادي، تفيد المعلومات انّ الفريق المكلّف بمتابعة قضايا الفساد يواصِل عمله برئاسة فضل الله، من دون أن تؤثر عليه العوامل الأخرى، عملاً بقاعدة يتبعها الحزب وهي الفصل بين الملفات، وتخصيص كل واحد منها بجهاز متفرّغ، لا علاقة له بأي انشغالات مستجدة.
وبينما يعتبر البعض انّ انخراط «حزب الله» في الحرب على الفساد سيضرّه أكثر مما يفيده، لأنه سيُظهر محدودية قدراته بفِعل التوازنات الداخلية والحصانات الطائفية والمذهبية المتأتية من النظام، يوضح القريبون من الحزب انه ليس من أنصار معادلة «كل شيء أو لا شيء»، وانه مقتنع انّ في الإمكان العمل من داخل النظام لتخفيف مظاهر الفساد، على الرغم من اعتراضه على قواعده المهترئة والطائفية التي تعرقل الإصلاح أو تؤخّره في أحيان كثيرة.
وتِبعاً للمنطق نفسه يعتبر الحزب أنه، وفي انتظار تغيير النظام يوماً ما، لا بدّ في الوقت الحاضر من التحرّك ضمن الهوامش المُمكنة تحت سقفه، والسعي عبر بعض أدواته إلى «قضم» ما أمكن من مساحات الفساد الكثيرة بدل الاكتفاء بالشكوى والبكاء على أطلال الدولة.
لكن تجنّب الحزب تظهير صوَر الفاسدين وتسميتهم بأسمائهم الكاملة يشكّل، بالنسبة إلى المستعجلين للمحاسبة، ثغرة في استراتيجيته، على قاعدة انّ الناس، خصوصاً بعد انتفاضة 17 تشرين الاول، صاروا يرفضون أنصاف الحلول وأنصاف الحقائق، لا سيما عندما يتعلق الامر بفضح الفاسدين ومحاسبتهم. هنا، يشير المحيطون بالحزب الى اقتناعه بأنّ مهمة كشف الأسماء تختَصّ بالسلطة القضائية حصراً، إضافة إلى أنّ التركيبة اللبنانية لا تسمح له بأن يؤشّر بإصبعه على الفاسدين، «لأنّ هناك من سيستثمر الاصطفافات المعروفة ليصَوّر الأمر على أنه استهداف للخصم ومحاولة لتصفية الحسابات معه انطلاقاً من اعتبارات سياسية او طائفية او مذهبية».
وقبل ذلك، يرى الحزب انه «من غير الجائز قانوناً وشرعاً أن يتولى هو تسمية الفاسدين قبل خضوعهم الى المحاكمة وصدور الأحكام في حقهم، خصوصاً انّ المتهم يبقى بريئاً حتى تثبت إدانته».
وفيما يعتبر خصوم «حزب الله» انّ مشروعه وسلوكه يتناقضان مع مفهوم الدولة ويشكّلان خطراً عليه، تشير الاوساط المحيطة بالحزب إلى انّ إصراره على سلوك الممر القضائي لمكافحة الفساد إنما يعكس تَمسّكه بخيار الدولة ومؤسساتها، وذلك على الرغم من انّ لديه اعتراضات على تقصير بعض القضاة في البَت بملفات أساسية.
وتلفت الاوساط الى انّ حضور وزير الطاقة الأسبق وعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد فنيش امام القاضي المختصّ للادلاء بإفادته في ملف الفيول المغشوش، يترجم تمسّك الحزب بمرجعية القضاء في مواجهة منظومة الفساد وأذرعها الطويلة.
إنتقاد آخر يُوجَّه الى الحزب، وهو انه يعتمد الاستنسابية في فتح الملفات، لتسجيل نقاط على خصومه والتشهير بهم، الأمر الذي تنفيه الاوساط القريبة منه، لافتة الى أنه خاض على سبيل المثال في مخالفات المسح العقاري التي يتركز جزء أساسي منها في الجنوب وكذلك بالنسبة إلى مشاريع الصرف الصحي، إلى جانب انه كانت لديه ملاحظات على جوانب من خطة معالجة ملف الكهرباء التي وضعها «التيار الوطني الحر».
أمّا اتهام الحزب بأنه يراعي حلفاءه ويتفادى فتح أيّ من ملفاتهم في إطار الانتقائية السياسية، فإنّ الاوساط إيّاها تقول إنه ليس وارداً لديه أن يتدخّل لحماية او تغطية أيّ مرتكب يُدينه القضاء ويثبت تورّطه في الفساد او الهدر، حتى لو كان محسوباً على فريق حلفائه.
وبينما حضرت آليّات مكافحة الفساد على طاولة اجتماع لجنة الإدارة والعدل أمس الأول، أفادت مصادر نيابية انّ نواباً هم على خلاف سياسي واسع مع «حزب الله» توقّفوا بإيجابية عند جوانب عدة في كلام فضل الله خلال مؤتمره الصحافي الاخير، ومن بينهم رئيس اللجنة جورج عدوان والنائب جورج عقيص من «القوات اللبنانية»، في وقت يؤكد الحزب انه يميّز بين الخلاف حول الخيارات الاستراتيجية وبين إمكان التعاون مع خصومه في قضايا مشتركة تتعلق بالاصلاح والشأن الاقتصادي – المالي.
وفي حين تستعد اللجنة لجلسة نقاش مع وزيرة العدل، في حضور قضاة، حول أسباب التأخير في البَت بملفات كثيرة لا تزال عالقة، تشدّد مصادر نيابية على انه لا يوجد أيّ تفسير مُقنع يمكن أن يبرّر هذا التأخير المتمادي، لافتة إلى انّ القضاة المقصّرين يجب أن يُحالوا الى هيئة التفتيش القضائي.