IMLebanon

“حزب الله” يحمي رياض سلامة بـ”أشفار العيون”!

 

ليس أبشع على اللبنانيين ان يتحكّم بإرادتهم ومصيرهم فصيل كـ”حزب الله”، تارة يستقوي براعيه الإقليمي وبرفع سلاحه “الصاحي” او “منتهي الصلاحية” بوجههم حيثما تدعو الحاجة، وطوراً عبر حلفاء المصالح غير السوية والضيقة المحليين، ممن يطلقون يده وأفكاره ومناوراته العبثية لتصفية حسابات و”تأديب كبار القوم” لتطويعهم، غير آبه بإغراق السفينة اللبنانية ومن عليها، كونه يجيد القفز منها في “الوقت المناسب”.

 

غير أن ما “يعزي” نسبياً ان ألاعيب “حزب الله” ونواياه المريبة، باتت فاقعة ليس على عموم اللبنانيين فحسب، إنما داخل بيئته الشيعية، بعدما انكشفت “إدارته” المفضوحة في ملف الدولار وارتفاع سعره بشكل مشبوه، ومحاولته البائسة لإبعاد نفسه عن دائرة الإتهام، عبر شن حملة “متذاكية” متلطياً وراء الحكومة، على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لـ”شيطنته” وتحميله المسؤولية علناً، فيما “تتمسك” به ضمناً أكثر من أي وقت مضى تبعاً لمصالحها المحلية والخارجية.

 

ولكن لا تبدو الحملة المستمرة من قبل الحكومة ورعاتها في “الممانعة”، سوى ادانة لهذا الفريق الذي يتهم حاكم المصرف بالمسؤولية حيال ما يتعرض له لبنان من مآس مالية وتدهور في قيمة العملة الوطنية، والامعان في هذا السلوك، بات يكشف عن هزال السلطة التي يتقاذف اطرافها كرة النار التي اشعلوها هم، وما الترويج الى أن السفيرة الأميركية في بيروت، قد حذرت اطراف هذه السلطة من اقالة سلامة، من قبل إعلام الممانعة، الا محاولة بائسة ويائسة للاقرار بعجز “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” ورجلهم رئيس الحكومة، عن الرد على ما يفترض انه تدخل خارجي في شؤون لبنان الداخلية هذا من جهة، والاقرار من قبل “حزب الله”، عشية عيد التحرير في 25 ايار الجاري أن رياض سلامة هو اقوى من كل السلطة التي تحتاج باجراء بسيط اقالته، بعد الكشف عن جرائمه المالية بحسب زعمهم وقد يكونون محقين.

 

الظاهر أن هذه السلطة انطلاقاً من سلوكها الجبان تجاه سلامة، كما هو ظاهر على السطح، تقول نحن عاجزون عن اقالة حاكم مصرف لبنان. لكن باطن الأمور لم يعد بحاجة الى كثير من التدقيق للقول أن تظهير مشهد الانقسام على انه بين حاكم المصرف وامتداداته المالية والنقدية، وبين السلطة السياسية التي تحاول عبثاً التنصل من مسؤولياتها وادّعاء العفاف مما نال لبنان واللبنانيين.

 

هذا الجدل العبثي، ينطوي على اعتقاد، بل تمنّ ان يكون حاكم مصرف لبنان رأس حربة واشنطن في لبنان، وهو اعتقاد واهم وتمنّ في غير محله، ما لا تريده حكومة حسان دياب ومشغلوها، ان يكون لبنان الذي يحكمونه، بات خارج الاهتمام الدولي والاقليمي، ايّ ان الذين يرفضون مساعدة لبنان بسبب سيطرة “حزب الله” عليه، كما يردد اكثر من مسؤول عربي واميركي واوروبي، لن يقلقوا كثيراً في ما لو استكمل الانهيار دولته وتحول لبنان الى نموذج أول للدولة الفاشلة في العالم، وبالتالي فان بقاء سلامة او رحيله “حيّاً او ميتاً” لا يغير في واقع الأزمة المستفحلة شيئاً.

 

فالحل في لبنان، شروطه واضحة، يختصرها الاصلاح، وهو حل يتحمل مسؤوليته الداخل وليس الخارج، اي أن الاصلاح بات يتطلب تغييراً جذرياً في منظومة السلطة، وآلية الحكم، وفي وضع حدّ لكل الخلل الذي يسبب الافساد والفساد، وبعد اكثر من ستة شهور على “انتفاضة 17 تشرين”، تتضح الصورة اكثر ان الاصلاح والتغيير هذا بات شرطاً وجودياً لبقاء لبنان ولقيام الدولة.

 

كان الأمين العام لـ”حزب الله” يردد في محطات عديدة خلال العشرين عاماً الماضية، ان عروضاً دولية قدمت له مقابل نزع سلاح “الحزب”، اقله استلام السلطة، وغيرها من المليارات التي ستتدفق لحزبه وللبنان، مقابل نزع سلاحه. ربما كان ذلك حقيقياً يوماً ما، ولكن ما نحن فيه اليوم بالتأكيد انه صار وهماً، فهذا السلاح لم يعد ثميناً كما كان، بل لم يعد اولوية وبات تفصيلاً خارجياً، طالما انه لم يستخدم لتجاوز الخطوط الحمر، وطالما باتت روسيا الضمانة الاضافية لجعل هذا السلاح يكتفي بوظيفة حماية الاستقرار على الحدود مع اسرائيل، أما الوظيفة اللبنانية لهذا السلاح كسبيل للاستقواء الداخلي، فهو شأن لبناني، لم يكن أولوية لدى الاميركيين او الاسرائيليين، فكل الاستخدامات الداخلية له، لم تثر اي اهتمام من قبل المجتمع الدولي، فلا 7 ايار 2008 حركت الاساطيل الاميركية، ولا الطائرات الاسرائيلية، وهذا أقل اهمية لدى واشنطن من قضية عامر الفاخوري، ولا يرقى الى مستوى الاشتباه بدخول شاحنة اسلحة متطورة لـ”حزب الله” عبر الأراضي السورية، ويمكن ملاحظة ان تعطيل “الحزب” لانتخاب رئيس جمهورية لعامين ونصف لم يستفز واشنطن ولم يحرك اسرائيل.

 

ما ينتظر لبنان هو تداعيات خيارات السلطة وقراراتها الحالية والمستقبلية، لا المؤامرات الخارجية ولا المطامع بالثروات التي تفتقد جاذبيتها، ولا بالطبع القلق على أمن اسرائيل، فمعادلة الأمن أو “توازن الرعب” أو “قوة الردع” كما يسميها السيد حسن نصرالله، سمح لاسرائيل ان تضم الجولان، وتضم الضفة الغربية، وتعمل باطمئنان على تصفية القضية الفلسطينية، وتستكمل التطبيع مع الدول العربية، كل ذلك يؤكد ان سلاح “حزب الله” لم يكن عائقاً، بل ربما كان مدخلاً اسرائيلياً لاختراق كل المنطقة العربية، وهو الى حدّ كبير تحوّل بغطاء دولي الى وسيلة من وسائل تحقيق أهداف السيطرة الدولية على المنطقة، وفي أحسن الأحوال موطئ قدم ايرانية، أثبتت في السنوات العشر الأخيرة انها كانت أفضل وسيلة لاضعاف وتدمير الدول التي وطأتها، واضعاف الحصانات العربية امام التطبيع والهرولة تجاه اسرائيل.

 

وتأسيساً على ما تقدم، يتحول السلاح الى عبء على الدولة اللبنانية، لا على ما عداها، اضراره على العدو هامشية بل هو بمثابة سلاح صدئ، وفوائده اللبنانية اليوم يصعب اكتشافها، طالما أن الفساد والإنهيار المالي والاقتصادي، يوفران على اسرائيل وسواها من الأعداء عناء الحرب واكلافها، وطالما ان نصرالله يدرك ان زعامته الشيعية باتت مرتبطة بعدم الانجرار الى اي مواجهة عسكرية مع اسرائيل، بينما الأضرار فعلية، طالما انه تحول الى سلاح داخلي، “يعلي من يشاء ويسقط من يشاء” في السياسة اللبنانية، وطالما انه شكل ولا يزال مصدر الحماية شبه الوحيد لمعادلة السلطة الفاسدة، ولمنظومة الحكم التي لا تتقن سوى تدمير ما تبقى من دولة.

 

بهذا المعنى يبدو حاكم مصرف لبنان واحداً من هذه المنظومة، التي يدافع “حزب الله” عن وجودها، لأنها تبرر وجوده النافر في مسار استعادة الدولة سلطتها ومرجعيتها، اسقاط رياض سلامة او عزله، سيزيد من كشف المنظومة الحاكمة، لأن هذه المنظومة لا تريد ايّ تغيير حقيقي، وايّ حاكم جديد، سيزيد وجوده من عريّ السلطة الحاكمة ويكشف هشاشتها اكثر، لذا “حزب الله” يحمي رياض سلامة بـ”أشفار العيون”، طالما أن الغاية بقاء هذه السلطة مسيطرة واستمرار الدولة مشروعاً معلقاً.