IMLebanon

حزب الله في مرآة لبنان  

 

يقع لبنان بين فكّي كمّاشة واقعيْن مزريين واقع الدولة المُهلهلة وأمر واقع الدويلة المتوحشة، وبالرّغم من الصّخب الذي يصمّ أذان اللبنانيّيْن من انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي والعناوين المفزعة التي تطارد المواطن الأعزل ما بين الجوع الذي يهدد مليون لبناني، إلى شراء الشموع لأننا عائدون إلى العتمة تحت وطأة تهديد أصحاب المولدات بوقف تشغيلها إلى السلّة الغذائيّة إلى التهديد بتدخّل رئيس الجمهورية في جلسة الحكومة اليوم لدعم هدر ما تبقّى من أموال الخزينة والإمعان في تكريس فساد ملفّ الكهرباء وصيته الذي يضرب الآفاق العالمية لفرض معمل سلعاتا بالقوّة بعدما سقط بالتصويت في مجلس الوزراء إكراماً لعيون الصهر بالرّغم من فضيحة أسعار استملاك الأراضي فيما صندوق النقد الدولي يُطالب بالإصلاح قبل يد المساعدة لانتشال سلطة فاسدة!!

 

بالرّغم من كلّ هذه العناوين المأزق الحقيقي للبنان واللبنانيين اختصره بالأمس مأزق قرية «لاسا» هناك فئة تستقوي بالسلاح على اللبنانيّين، وبمعزلٍ عن التفاصيل الصغيرة والكبيرة في هذا الموضوع، «لاسا» هي لبنان الذي تتحكّم فيه فئة اختطفته واختطفت شعبه بقوّة السّلاح، وليس هناك من حلّ لأنّ الحلّ أكبر من لبنان ومن المنطقة، أكبر من أن يكون لبنانياً أو عربياً ولا حتى إقليميّاً، حزب الله أصبح مشكلة تحتاج إلى حلّ دولي على طاولة مجلس الأمن وبقرار منه، فحزب الله مشكلة تركتها دول العالم كلّ بحسب مصلحته تتضخم على حساب الدولة اللبنانيّة وينفض الجميع يده منها تاركين له أن يمعن في السيطرة على لبنان، يشبه حال لبنان اليوم حال الرّهائن الذين اختطفهم حزب الله في ثمانينات القرن الماضي للضغط بهم على أميركا وأوروبا بحسب هوياتهم لمصلحة الجبهة الإيرانية في حربها مع العراق، حتى أنّ اختطاف لبنان ودولته وشعبه أسهل بكثير على حزب الله من اختطاف رهائن أجانب!

 

مجدّداً نقول؛ على اللبنانيين ـ وفي هذه المرحلة بالذات ـ أن لا ينسوا أنّ التجربة مع حزب الله أفرزت واقع استطاعته حتى اليوم أن يفرض على اللبنانيّين كلّ السياسات التي أرادها وعطّل البلاد حتى نجح في فرضها، ومؤسف أن يستمرّ لبنان في ممارسة الهروب من أزمته الحقيقيّة، الجميع متواطىء على إضمار الصمت تجاه حزب الله وسلاحه ودويلته وتحييدها عن توجيه أصبع الاتهام لها وأنّ الحزب هو المتسبب الحقيقي في معاناة الشعب اللبناني وانهيار البلاد، مع الإشارة إلى أنّ كلّ الكلام لا يقدّم ولا يؤخّر عند حزب الله ولا عند إيران، ومخطّطها للبنان والمنطقة العربيّة.

 

الأمل الوحيد الذي يجب أن يدفع كأس اليأس عن الإرادة اللبنانيّة في التخلّص من طغيان حزب الله في مرآة لبنان هو في الالتفات صوب التفاؤل بالتاريخ وعِبَرِه، يشبه حزب الله في تسلّطه علينا «بنو برمك» وتسلّطهم على ذروة العصر الذهبي للخلافة العباسيّة زمن الخليفة هارون الرّشيد و»بنو برمك المجوس، وتجربتهم هي أعتى تجارب تسلط الفرس في محاولتهم إعادة بناء الإمبراطوريّة الفارسيّة ـ وهذه المحاولة الكبرى نُفّذت في عزّ قوة الخلافة الإسلاميّة العربيّة ـ لذا لا يعدو مرشد الجمهوريّة الإيرانيّة علي الخامنئي عن أن يكون يحيى برمكي آخر وحسن نصرالله أمين عام حزب الله «أبو مسلم الخراساني» آخر، يعيد ابن خلدون نكبة البرامكة إلى «استبدادهم على الدولة واحتجازهم أموال الجباية حتى كان الرشيد يطلب اليسير من الأموال فلا يصل إليه، فغلبوه على أمره وشاركوه في سلطانه، ولم يكن له منهم تصرف فى أمور ملكه، فعظمت آثارهم وبَعُد صيتهم وعمروا مراتب الدولة وخطططها بالرؤساء من ولدهم وصنائعهم واحتازها عمّن سواهم من وزارة وقيادة وحجابة وسيف وقلم»، أليس هذا هو حال حزب الله في المرآة اللبنانيّة؟!