IMLebanon

التيار وحزب الله: الخلاف من الواسطة إلى المباشر

 

لا تحتمل ورقة التفاهم الموقّعة عام 2006 بين حزب الله والتيار الوطني الحر كلّ عناصر الاختلافات في فترة زمنية قصيرة. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يختلف فيها الطرفان، وصحيح أن أي تفاهم سياسي لا يحتاج إلى تكامل بالمعنى الذي كان الطرفان يؤكدان عدم جوازه. لكن ما حصل في الأسابيع الأخيرة، أضاء أكثر على حجم التباينات التي حصلت بوتيرة متسارعة في مرحلة قصيرة، قياساً إلى سنوات التحالف التي أثمرت وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، رغم بعض الإشكالات التي كانت تُعالج في حينها من دون أن تترك آثاراً على العلاقة بين الجمهورين.

 

مع انعقاد مجلس الوزراء اليوم، يذهب الإشكال الكهربائي إلى نقطة مفصلية، ولا سيما بعد حصيلة اليوم النيابي الطويل. لأنه حتى الساعات الأخيرة كان قيام محطة الكهرباء أهم من بقاء الحكومة، وتفجيرها أهون من سقوط «سلعاتا». إلى هذا الحد، كان الانفصال بين فريقين سياسيين، ولا سيما بعد كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التلفزيوني الأخير حول أهمية استمرار الحكومة. مراجعة التباينات حول النظام والطائف والفيدرالية وقانون الانتخاب وسلعاتا وسلاح حزب الله وآلية التعيينات وقانون العفو، تعني أن الخلاف هذه المرة أبعد من الشكليات، وهو تخطى كثيراً فحوى اللقاء المطوّل بين نصرالله ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قبل تظاهرات تشرين الأول الفائت. لأن الخلاف أصبح بالمباشر ولم يعد بالواسطة، لا من خلال الرئيس نبيه بري ولا عبر رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

في ورقة التفاهم بند خاص بعنوان «اللبنانيون في إسرائيل». هذا البند كُتب بدقة بين الطرفين فلا يحتمل التباسات ولا سيما أنه استرشد بكلمتَي نصرالله وعون. لكن هذا الملف على حساسيته، ظل إطاراً خلافياً، تارة يطفو إلى السطح وتارة يخفت. وبصرف النظر عن الإشكالات التي ترافقت هذه المرة مع قانون العفو، إلا أن مجرد اتفاق الطرفين عام 2006 على مقاربته، يعني أن ما يحصل بعد 14 عاماً على ورقة التفاهم، والحملات المتبادلة بين مؤيدي ومعارضي عودة «اللبنانيين في إسرائيل»، لا تتعلق فحسب بهؤلاء أو باختلاف بين جمهورَي الحزبين في النظرة إليهم، بل تتعلق بحيثية سياسية بين حزبين في خندق واحد تحت مظلة تفاهم سياسي عام، وما ينعكس على قاعدتيهما سواء السياسية أو الطائفية اللتين أظهرتا تباعداً حقيقياً. وقانون العفو لم ينحصر فحسب في مصير اللبنانيين، بل في مصير التفاهمات السياسية، لأنه كشف النار تحت الرماد، في ظرف دقيق وسط حملة أممية على الحدود وتضييق صندوق النقد. فحزب الله مستهدف بحصار تصاعدي من العقوبات مرشح للتفاعل، كما قانون قيصر، فيما التيار الوطني يعيش مرحلة دقيقة في عمر العهد، ويتعرض لحملة تهويل أميركية تصاعدية أيضاً بوضعه على لائحة العقوبات كحليف للحزب، إلا إذا تجاوب مسؤولون فيه مع جملة طلبات أميركية. وهو يحاول إيجاد توازن دقيق بين متطلبات الداخل والخارج الرئاسية من دون أن يفرط في أيّ منهما، في موازاة إعادة شدّ العصب الحزبي والمسيحي الداخلي. لم تعد الرؤية الإقليمية الاستراتيجية تكفي لوحدها لتغطية الخلافات، بدليل أن كلام باسيل الأخير حمل كثيراً من نقاط الاتفاق الإقليمي والمشرقي، لكنه حمل عبارات مفخّخة عن النظام واللامركزية الإدارية والمالية، استدعت ردوداً وردوداً مضادة، لأنها عكست بوضوح بواطن التيار ورؤيته ليس لمستقبل لبنان عموما إنما أيضاً مستقبل المجتمع الذي ينتمي إليه. هنا يكمن قلق التيار من بنود خلافية تتنوّع في اتجاهاتها ومواضيعها. وانطباعه بأن الحزب لا يقف معه ولا يسهل أو لا يساير ولا يدوّر زوايا، بخلاف ما كان يجري في مراحل سابقة. وهذه المرة الخلاف مباشر وجدّي، لأن هناك منحى يوحي بعدم تراجع الطرفين على الأقل إلى مسافة وسطية، في ملفات حساسة، رغم انفجار الخلاف علنياً لأيام عدة، من دون لملمته، لا بل إن الحزب يلتقي في ملفات تعني التيار مع خصومه، ولا سيما الرئيس سعد الحريري، في ظل تصعيد متبادل بين المستقبل والتيار. كذلك فإن عون لم يعد خط الدفاع الأول بينهما، سواء في الحوار والمواجهة، وبات باسيل أكثر من أي وقت مضى يخوض منفرداً معركته السياسية بتفاصيلها اليومية التي لم يتراجع عنها في عزّ انسجامه مع الحزب. لكنه يواجه أكثر من أي وقت مضى أيضاً بحملة مضادة لا تسايره ولا تتجاوب معه وفق مقولة بأن الحزب مضطر لأن يغطيه لحاجته إلى حليف مسيحي. وهو هنا يذهب إلى اللعب على حافة الـ«صولد»، لأنه يفجّر مع حلفائه وخصومه معارك وزارية ونيابية وكهربائية، وحول رؤيته للطائف والنظام، دفعة واحدة، مستظلاً بحماية رئيس الجمهورية، فلا يخشى تحوّل مجلس الوزراء إلى ساحة اشتباك حقيقي مع رئيس حكومة «اللون الواحد». وهو بذلك يدفع بالمشكلة إلى نقطة حساسة، لأنه لا يريد مراكمة خسائره منذ تشرين الأول، فيفقد رصيداً بناه طوال السنوات الماضية. كما يحاول أن يستعيد حضوره المسيحي الداخلي والسياسي العام بعد مرحلة انكفاء. لكن العبرة تكمن في التوقيت، وفي كثرة الملفات الخلافية التي فُتحت دفعة واحدة، فتكاد تقتضي تفاهماً جديداً أو قواعد اشتباك جديدة.