نجحت سائر القيادات اللبنانية السبت الماضي في لملمة الانفلات المجنون للغرائز، الذي ظهر كردّ فعل على تجديد الانتفاضة الشعبية ضد السلطة والحكومة وإزاء المزيد في التردي المعيشي، وساعدت القيادات الشيعية كافة من “حزب الله” إلى رئيس البرلمان نبيه بري إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، في تفادي الصراع المذهبي والطائفي، بعدما كاد يأخذ منحى عنفياً يذكّر بالحرب الأهلية.
وعلى رغم أن الثنائي الشيعي أعد مسبقاً سيناريو بروز شارعين في وجه طرح بعض المتظاهرين مسألة سلاح “حزب الله” وتنفيذ القرار الدولي الرقم 1559، فإن أركانه أرادوا تسطير رسالة شديدة اللهجة ضد طرح مسألة السلاح لمناسبة تصاعد الضغوط الأميركية على “الحزب” ولبنان، لكنهم اكتشفوا أن الأنصار الذين طلبوا منهم خلق الشارعين مزودين بأسلحة “فكرية” أخذت البلد إلى حافة الصراع الأهلي الطائفي، بالعلاقة مع الجمهور المسيحي، والمذهبي، بالعلاقة مع الجمهور السني. وهذان الجمهوران في حال احتقان أصلاً، من مسألة سلاح “الحزب” وإخضاعه الساحة اللبنانية لمقتضيات المواجهة الإقليمية التي يخوضها انسجاماً مع المشروع الإيراني.
أفلتت الغرائز من عقالها. والسؤال عما إذا كانت الخطورة التي بلغها الفلتان ستحمل “الحزب” على تعديل نهجه، يبقى بلا جواب في انتظار قابل الأيام. والجواب يتوقف على مدى اقتناع قيادته بأن ارتدادات سياسته على الوضع اللبناني الداخلي، تتراوح بين التسبب بعودة عوامل الحرب الأهلية إلى السطح، وبين تلقي انعكاسات الالتحاق بالتناقضات الإقليمية على الوضع الاقتصادي الذي بلغ مأزقاً غير مسبوق.
ثمة من يعتقد أن “حزب الله” ليس بوضعية إرسال الرسائل في ظل المأزق اللبناني والحصار الذي يتعرض له البلد، بالتوازي مع الحصار الأميركي على إيران ونظام بشار الأسد. بل يفترض به أن يستوعب الضغوط عليه من الخارج وأن يمتص الاعتراض الداخلي والذي انتقل إلى جمهور حليفه المسيحي، “التيار الوطني الحر”، كما ظهر من التباينات مع رموزه. وهذا يعني أنه مع اختلال ميزان القوى المحلي لمصلحة السلاح، فإن توازن الرعب في الصراع الأهلي ليس بالاختلال نفسه، على رغم أن أيّاً من الطوائف والمذاهب الأخرى ليس مستعداً لأي نوع من الحرب. أغرقت موقعة السبت “الحزب” في مجاهل الصراع الأهلي، بحيث اضطر إلى العدول عن توجيه تظاهرة بالأمس إلى السفارة الأميركية في عوكر.
في الانتظار بدا واضحاً من موقعة 6 حزيران أن الثورة الشعبية تعرضت لانتكاسة كبرى بعدما غلب عليها الانقسام حول الشعارات، على رغم الجهد الذي بذله الناشطون من أجل استبعاد الشعارات التي تسببت بالانقسام. ضاعت أهداف الثورة في الساحات المذهبية والطائفية. وإعادة لملمة مكوناتها الشعبية تحتاج جهداً استثنائياً. وبدا واضحاً أن البلد في هشاشة لا يحسد عليها أمام المجتمع الدولي. فأي دعم يمكن أن يقدمه المجتمع لدولي لبلد بهذه الهشاشة لمنع انهياره، في وقت عليه تحدي التجاوب مع قانون “قيصر” للعقوبات على التعامل مع سوريا؟