على أكثر من محور يواجه “حزب الله” في المرحلة الراهنة، فإلى الاستهداف الخارجي، هو “المتهم” بدعم الحكومة، ويُحمّل مسؤولية الوضع المالي والنقدي المتدهور، ليضاف إليها أخيراً اتهامه بالوقوف خلف التحرّك الذي شهد شغباً في وسط بيروت نهاية الاسبوع الماضي، والذي يتوقع أن يكون المحور الأساسي في الكلمة التي سيتوجه بها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله اليوم.
والاتهام الأخير يثير استغراب أوساط مطلعة في “حزب الله”، التي تتساءل كيف يمكن لليلة واحدة من التظاهرات أن تحمل اتهامات متناقضة: هناك من تغنى بالاحتجاجات التي نزلت في منطقة المشرفية، وهناك من وجد أنها تهدّد بحرب اهلية في عين الرمانة، أما تظاهرات الوسط فقد اعتبرت رسائل من قبلنا؟ فما هي هذه الرسائل؟ قبل تفنيد كلّ واحدة من هذه الرسائل التي ألقيت في الشارع خلال الأيام الماضية، تحرص الأوساط الحزبية على القول إن المعنيين في الحزب بقوا، خلال وقوع عمليات الشغب، على تواصل مباشر مع الأجهزة الأمنية على مدار الساعة، ينسّقون معها ويسعون إلى التعاون في سبيل المعالجة. من يغلّب لغة العقل يعلم جيداً أن أعمال تخريب من هذا النوع لا تريح “حزب الله” ولا تصبّ في مصلحته. لذلك لا يجد المعنيون سبباً لتأكيد أنه “لا يقف خلف المتظاهرين، ولو كان يمون على كلّ من ينزل الى الشارع لاستطاع ان يمنع الذين تظاهروا في حي السلم قبل مدة وشتموا أمينه العام. الاعتراض وحركات الاحتجاج صارت موجودة داخل كل المناطق وهل يجوز ان يكون “حزب الله” خلف كل اعتراض يحصل في الشارع، ولنفترض انه وقف خلف ما شهده الوسط، فمن يقف خلف ما شهدته شوارع مدينة صيدا وطرابلس؟”. ويؤكد “الحزب” أنه “لا هو ولا حركة أمل على علاقة بمثيري الشغب ولا يمونون عليهم ولا يمكن السيطرة عليهم لانهم يتحركون بالتنسيق في ما بينهم وبلحظة، من دون قرار مركزي أو كلمة سر. ولدى الاجهزة الامنية علم بمن افتعل المشاكل فليسألوها”.
أما إذا كان قصد مطلقي الاتهامات أن “حزب الله” إنما يريد البعث برسائل إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فإن لـ”حزب الله” مئة طريقة كي يوصل رسائله، وآلية عمله ستكون مختلفة، وهو حين اتخذ قراره بالتظاهر العام 2008 أبلغه الى مسؤولي المناطق، لكن السؤال الاهم هنا واذا كان صحيحاً قولهم ان “حزب الله” اراد البعث برسالة من خلال الشارع فلمن هي تلك الرسالة؟
الحريري وسلامة؟
إذا كان المقصود أنها رسالة الى سعد الحريري، فتؤكد الأوساط المطلعة في “حزب الله” أنّ “العلاقة معه ممتازة، والحاج حسين الخليل كان في ضيافته أخيراً وحتى اللحظة الأخيرة بقينا ورئيس مجلس النواب متمسكين بعودته إلى الحكومة وهو من رفض”. أما إلى رياض سلامة فـ”حزب الله هو أول من قال ولا يزال على رأيه ان تغيير حاكم مصرف لبنان لا يكون الا من خلال مجلس الوزراء ونتيجة توافق سياسي، من دون ان يفوته التذكير ان رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب مصران على إقالته وقد فشلت جهودهما لمرتين متتاليتين، نتيجة تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري وفي ظل اصرارهما على ذلك فقد تكون المحاولة الثالثة ثابتة”.
وتوضح الأوساط أن مقاربة إقالة سلامة تتم في إطار وجهات نظر مختلفة، واحدة للرئيس بري تقول إنه اذا تمت إقالته فقد يبلغ الدولار عتبة العشرين الفاً، واخرى للرئيس دياب تقول من يضمن األا يبلغ الدولار هذا السعر في ظل إستمرار وجوده؟ وما بين وجهتي النظر كان لـ”حزب الله” رأي يقول تجنباً للانهيار واهتزاز الأسواق، يجب أن يتم التوافق مسبقاً على خليفته ثم التوافق على إقالته بهدوء داخل مجلس الوزراء وتعيين البديل مباشرة.
غياب التوافق السياسي أفشل محاولتين لاقالته ولكن هناك من يصرّ على تغييره، وخلال عهد الرئيس ميشال عون تحديداً، ولكن أساس عقدة إقالة سلامة تكمن حسب المتابعين للملف في قربه من الاميركيين أولاً، وتخوف البعض من أن يتحكم رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل باختيار البديل فيكرّس مكامن القوة في يده وهذا ما لا يناسب مصالحهم.
أما في ما يتعلق بإسقاط الحكومة فقد أبلغ “حزب الله” الجميع تمسّكه بها، وهو لا يعتقد بوجود بديل عنها. يعلم الحريري علم اليقين انه لن يعود رئيساً للحكومة في الوقت الحاضر وهو أبلغ سائليه أخيراً انه لن يعود رئيساً في حكومة فيها باسيل، أي أنه لن يعود رئيساً للحكومة في عهد عون.
من أطلق فكرة تغيير الحكومة كان نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، ما خلّف هواجس لدى رئيسها حسان دياب بأن “حزب الله” يغطي حديثه، لكن “حزب الله” سارع الى إرسال الحاج حسين الخليل لطمأنته باستمرار الحكومة لكن مع نصيحة تقول “روحوا اعملوا انجازات”.
لا ينفي “حزب الله” وفق اوساطه ان الحكومة يعتريها ضعف عدد من وزرائها ممن أثبتت التجربة ان اداءهم جاء أقل من التوقعات، لكن حتى اليوم لا نقاش حقيقياً باستبدالهم بل مجرد فكرة لم تنضج بعد، وهذه ايضاً يلزمها توافق سياسي كي لا تفتح شهية كل طرف على تغيير في الحصص. ولكن ما يعنيه هو قلة انتاجية الحكومة التي يجب ان تعالج وبسرعة.
وعلى عكس آراء آخرين، لا يرى “الحزب” ان علة الحكومة هي بين الحلفاء الممثلين فيها لان خلاف هؤلاء على القطعة وليس دائماً، كما ان نظرية ولادة حلف رباعي قوامه بري – جنبلاط – فرنجية وجعجع في مواجهة تحالف عون “حزب الله” ودياب غير واقعي وليس صحيحاً. لا تعتري الحكومة بحسبه خلافات سياسية قد تودي بها، فتقديراته تقول إن حكومة دياب مستمرة طيلة عهد عون والى ما بعد الانتخابات النيابية.
أهل بيروت
في المقابل يستغرب “حزب الله” أن يرتفع، في كل مرة تحصل احتجاجات وأعمال شغب في بيروت، صوت من يتحدث باسم أهل بيروت، وكأن هذه المدينة لفئة دون أخرى بينما هي عاصمة للبنان وفيها من بين ابنائها السني كما الشيعي والدرزي. ولا تجد أوساطه ضيراً في التذكير بأن رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري نال قرابة 22 الف صوت بينما الاصوات التي نالها النائب نهاد المشنوق بالكاد أسعفت نيابته (6411 صوتاً)، لينال غالبية الاصوات نائب “حزب الله” أمين شري (22 الف صوت).