Site icon IMLebanon

ليس للحزب من يناقشه!

 

لم تبدأ مشكلة لبنان مع “قانون قيصر” لتصبح مهمة اللبنانيين قتال وقتل قيصر وصانعيه. المشكلة ولدت وترعرعت قبل ذلك بكثير. صنعها من يتربعون على عرش الحكم اليوم، ومن ينافسهم وهو من طينتهم، وأمعنوا فيها تعميقاً وتوسيعاً على مدى العقود الثلاثة التي اعقبت اتفاق السلام الأهلي في الطائف.

 

خلال هذه الأعوام المديدة تولت القوى المحظية لدى سوريا الأسد الإدارة اليومية لشؤون لبنان. في السياسة حوّلوه الى محمية سورية، وفي الإقتصاد الى منهبة مشتركة، وفي الادارة الى مجالس استزلام، وجعلوا القضاء اداة شكلية لتنفيذ القرار السياسي والزبائني. إنضم “حزب الله” الى المنظومة الحاكمة والتحق بآلياتها وأساليبها قبل أن يرث الدور السوري لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبوصفه وريثاً لسوريا وممثلاً لإيران في آن، ولأنه عُيّن من جانب الطرفين مقاوماً مسلحاً وحيداً بعد الطائف وقبل الانسحاب الاسرائيلي وفي السنوات التي تلته، بات الطرف الأقوى في المنظومة الطائفية الحاكمة. وهو الآن من يملي القرارات ويرسم التوجهات ويحدّد الخيارات.

 

اللبنانيون باتوا مجرد شهود على ما يقرره السيد حسن نصرالله، والسياسيون الآخرون لا يحاولون مناقشة ما يمليه أو يرتئيه. كان ذلك مفهوماً، ربما، خلال المواجهة مع اسرائيل، لكنه غير مفهوم البتة عندما تطرح سلسلة من القضايا تتعلق بموقع لبنان العربي وموقفه من القضية الفلسطينية والقتال في سوريا واليمن… ومصير الشيخ زكزاكي في نيجيريا!

 

من حق “حزب الله” ومن واجبه الإدلاء برأيه في الأزمة التي يعيشها الناس، ومن حق هؤلاء ومن واجبهم ان يناقشوه في وجهة نظره ومن وجهة نظرهم هم. الا ان ما يحصل منذ سنوات غير ذلك تماماً. يغرد “الحزب” في عالمه الخاص ويقول للبنانيين هذا رأينا وانتم “اصطفلوا”. وفي عالمه الخاص تخضع كل القضايا لرؤية واحدة، فالأزمة والانتفاضة الشعبية مجرد استهداف لسلاحه، وقانون “قيصر” هو استهداف لمحور الممانعة لا وجود فيه لعشرات ألوف الضحايا على يد النظام، والمعركة الأبدية ستبقى دائرة مع اميركا ودولارها و”شيكلها” الصهيوني. سيزيد القانون الأميركي الجديد الضغوط على سوريا ولبنان، غير ان مشكلة سوريا بدأت قبله، كما أن مشكلة لبنان سبقت “قيصر”. وضحية الضغوط سيكون كما جرت العادة المواطن العادي، فيما المستفيد هو النظام وكبار اعوانه الذين سيزيدون ثرواتهم، مثل جماعة النفط مقابل الغذاء أيام المغفور له صدام حسين. ما يحتاجه لبنان أبسط بكثير من تداعيات “قيصر”. انه مجموعة من التدابير التي يسميها البعض إصلاحات. انه يحتاج استعادة دولته بمؤسساتها وقوانينها وهيئاتها الرقابية وقضائها المستقل. وعندها يمكن حل المشكلة الإقتصادية والمالية ولا يعود “حزب الله” بحاجة لخطابات التوجيه ولا غيره لإنتظار ما سينتج عن صراع الجبابرة.