IMLebanon

هل يمكن تخيل لبنان بلا قوة “حزب الله”؟

 

لبنان بعد خطاب نصرالله

 

 

سؤال صارت الإجابة الموضوعية عليه ضرورية، بقدر ما هي جوهرية في لحظة احتدام مواجهة مفصلية، سيكون لنتائجها أثرٌ أساسي في رسم موازين القوى الإقليمية والدولية مستقبلاً.

 

يقف “حزب الله” اليوم أمام التحدي الأكبر والأخطر في تاريخه، التحدي الذي قد يكون الأخير في حال فقد القدرة على الإمساك بزمام المبادرة في إدارة تلك المواجهة، أو أن يكون هذا التحدي فرصة جديدة لإعادة تشكيل مساحة نفوذه المحلي والإقليمي، في حال تمكن من تجاوز المخاطر والإنتصار في الحرب الأميركية عليه. كذلك يقف “حزب الله” شبه وحيد كقوة متماسكة ومصممة على تحقيق هذا الإنتصار، في ظل تهالك القوى السياسية اللبنانية وضمور قدراتها على التأثير في خيارات لبنان الدولة وإصطفافاته المفترضة، وفقاً لمسار تاريخه السياسي، ناهيك عن فشل هذه القوى في بناء مشروع الدولة بل تدمير كل ما كان قد بناه المؤسسون، وما ابتدعوه من أدوار واقعية حيناً ووهمية ظرفية أحياناً أخرى.

 

فـ”الحزب” الذي تنكّب مسؤولية تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة من قبل العدو الإسرائيلي، مرتكزاً على قوة هجوم وردع في الوقت ذاته، والذي تقدم لاستباق محاولات تغلغل القوى التكفيرية الإرهابية في لبنان، وبالأخص على حدوده الشرقية الشمالية، هذا “الحزب” وجد نفسه أمام مأزق ترجمة إنتصاراته التي حققها في مواجهة الإحتلال والإرهاب تعزيزاً لموقع لبنان، وتحصيناً لموقفه الوطني في مواجهة إستهدافات العدو الإسرائيلي له. فالوطن صار خالياً من الإحتلال الإسرائيلي والوجود السوري أو الوصاية السورية كما يسميها بعض اللبنانيين، كما أنه تمكن من تجاوز موجة ما سُمي “الربيع العربي” وتداعياته على علاقات اللبنانيين بعضهم ببعض، وبذلك إستطاع أن يتجنب تأثيرات هذا الربيع المباشرة عليه، لجهة ربط حاضره ومستقبله بالوقائع التي سيفرضها على المنطقة وخصوصاً منها الدول العربية. غير أن آمال “حزب الله” أو قراءته لكيفية توظيف إنتصاراته على المستوى الوطني لم تجانب الواقع السياسي الداخلي المأزوم، والمُستغرق بالحسابات الطائفية والمناطقية والشخصية المحسوبة، وفقاً للنموذج اللبناني التقليدي في استثمار أي متغير إقليمي أو دولي في تكريس هذه الحسابات، لا الإستفادة من هذا المتغير لتثبيت موقع الدولة وحضورها الداخلي والخارجي. وهو أمر ليس بجديد، إنما اكتشفه “حزب الله” متأخراً واضطر للتعامل معه على أنه قدرٌ لا مفر منه مراهناً على الوقت للتخلص منه، الى أن وجد نفسه مع الوقت أسير مراعاته الى حد إرغامه على وزن علاقاته مع أصحاب هذه الحسابات، وخصوصاً منهم الأصدقاء بدقة مُربِكة الى حد التململ. يعلم “حزب الله” أن أصدقاءه في مواقع السلطة لا يملكون الجرأة على الإنضمام المُطلق ولا حتى الجزئي الى جبهته في مواجهة الهجمة الأميركية، فكيف بأخصامه الذين كانوا وما زالوا يتحينون الفرص لمحاصرته وسحب سلاحه أو على الأقل نزع القرار الوطني الإستراتيجي من بين يديه. لذلك كان الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله هجومياً الى حد التهديد، ومتجاوزاً كذلك لمحطة الإنتظار التي يقف على رصيفها أركان الدولة، ومعهم علناً أو سراً معظم القوى السياسية الضائعة منذ حدوث إنتفاضة “17 تشرين”. وبسبب ذلك أيضاً رسم السيد نصرالله معادلة “لن نسمح لكم بتجويعنا”، ما يعني أنه أعلن بطريقة غير مباشرة تحمل مسؤولية فتح الحدود السورية اللبنانية، أمام تدفق البضائع والمواد التي سيحتاجها اللبنانيون، في ظل الإصرار الأميركي على ربط تسهيل إستعادة لبنان لبعض من العافية النقدية والمالية وبالتالي الإقتصادية، بتثوير بعض اللبنانيين ضد سلاح المقاومة وتصعيد مطالبتهم بنزعه وتنفيذ القرار 1559. معلومٌ أن هذه الحدود هي المتنفس البري الوحيد أمام اللبنانيين في ظل حصار بحري سيتم تفعيله من بوابة تطبيق القرار 1701، في حال كانت هناك حاجة لتفعيله.

 

طبعاً ستتصرف السلطة السياسية وكأنها لم تسمع شيئاً، بل وستشدد وتؤكد على التزامها متطلبات المجتمع الدولي وفي مقدمها قرارت مجلس الأمن الدولي المعنية، لكن ذلك لن يغير شيئاً في واقع أن هذه السلطة، وكما جرت العادة دائماً، تقف على التل بانتظار جلاء غبار المواجهة وتبيان نتائجها، لكن المختلف اليوم عما سبق من ظروف مماثلة أن هذا المجتمع الدولي وراعيه ومقرره الوحيد الأميركي يصوب عليها، وقد ينال من بعضها وخصوصاً الهش منه ، إذا لم يستجب لمطالبه بل الأصح لأوامره بالإفتراق عن “الحزب”، أو على الأقل توسيع هامش الإختلاف كي يصير خلافاً واقعاً وواقعياً. كانت الفرصة ذهبية لـ”الحزب” للإستفادة من طروحات إنتفاضة “17 تشرين” الإصلاحية المطلبية المُحقة، وهو ما استدرك معناه السيد نصرالله في خطابه الأخير، لكن القراءة القديمة – المُعدّلة جزئياً التي تحكم ترتيب أولويات “الحزب” ما زالت قائمة، لذلك تبدو إمكانية إستعادة مكونات تلك الإنتفاضة زمام المبادرة متاحة، وربما صارت حاجة ماسة كي لا تُختصر معركة مواجهة تجويع اللبنانيين بالبعد السياسي الإستراتيجي المتعلق بسلاح المقاومة.

 

المواجهة باتت حتمية بعدما تجاوز السيد نصرالله حافة الهاوية رداً على تجاوز الأميركي لها، من خلال تحميل لبنان تبعات ما يسمى “قانون قيصر” والنفاذ منه للنيل من “حزب الله”.