السنيورة يدعو لمنصة وطنية للتصدّي للمخاطر… ولا أمل إذا لم تتغيّر ذهنية العهد والحكومة
لم تصفْ رئاسة الجمهورية لقاء بعبدا الخميس المقبل بـ«الحوار». سمّته «اللقاء الوطني»، وحدّدت هدفه بـ«التباحث والتداول في الأوضاع السياسية العامة والسعي للتهدئة على الصعد كافة بغية حماية الاستقرار والسلم الأهلي، وتفادياً لأي انفلات قد تكون عواقبه وخيمة ومُدمّرة للوطن، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها». لا يرتقي «اللقاء» إلى حوار، فالبيان المقتضب غاب عنه جدول أعمال ببنود واضحة ومحدّدة، تُجسّد لبّ الأزمة وتحتاج إلى نقاش، فتوافق على كيفية الحل والتنفيذ وتُدرج في مقررات ترسم خارطة طريق وطنية.
جل ما هو أكيد أن «اللقاء» يأتي في لحظة سياسية حرجة، تشتدّ فيها المواجهة الأميركية مع إيران وأذرعها العسكرية وحليفها السوري مع دخول قانون «قيصر» حيّز التنفيذ. ويأتي على وقع «الغزوة الصغرى» لبيروت وطرابلس وقبلها صيدا التي قام بها «حزب الله» بالتكافل مع حركة «أمل» و»سرايا المقاومة»، وما سبقها من إشعال طائفي لخطوط التماس بين الشياح – عين الرمانة، وآخر مذهبي على محاور الأحياء في بيروت الغربية.
الواضح أن الاتصالات تنشط من أجل تأمين مشاركة جميع القوى السياسية على ضفتيّ الموالاة والمعارضة في «اللقاء»، وتتّجه الأعين بشكل فعلي نحو الحضور السنيّ، حيث الخلل بات فاضحاً في وجود السنّة خارج المعادلة الوطنية، وحيث تحوّلت «المدن المغزية» برمزيتها إلى صندوق بريد للعمق العربي كما المجتمع الغربي والدولي، وحيث بدأ الغليان يطفو على السطح في ظل الشعور بعجز القيادات وغياب الزعامات والمهانة والذل، وفي ظل شعور عن حق بأنه كلما غزا سلاح «الثنائي الشيعي» المدن والأحياء في حملات تأديب وتطويع، تخاذل الجيش عن القيام بمهمة الدفاع عن المواطنين تحت ذريعة عدم الانغماس في الحروب الأهلية، وكأن هذه المعادلة تستقيم بين فريق مدجّج بالسلاح وآخر منزوع السلاح، فيما يعوّل اللبنانيون المتمسكون بمفهوم الدولة على السلاح الشرعي لحمايتهم، ولا يتوقون للعودة إلى الأمن الذاتي ومستلزماته العسكرية.
رسائل السلم بيد بري ورسائل الحرب بيد نصرالله، لكن توزيع الأدوار لن يوصل إلا لما يريده «سيّد حارة حريك»
ويدور النقاش في بعض الأروقة السياسية حول فائدة «اللقاء». يسأل الرئيس فؤاد السنيورة في دردشة مع مجموعة من الصحافيين عن مرامي الحوار، ما دام لا تغيير في ذهنية العهد والحكومة حيال مقاربتهما للأزمات وأسلوب معالجتها، سواء في رد رئيس الجمهورية للتشكيلات القضائية رغم أن صلاحيته مقيَّدة هنا، أو في الاستعصاء عن القيام بخطوات إصلاحية في قطاع الكهرباء بعدما تراجع مجلس الوزراء عن قراره في شأن معمل سلعاتا، وسواء في ما يتعلق بالتعيينات المالية والإدارية والخطة الاقتصادية للحكومة، أو غياب الرؤية الموحّدة في التفاوض مع صندوق النقد، الأمر الذي يُقدّم رسالة سلبية للخارج، الذي نلجأ إليه للمساعدة.
تساؤلات يشاركه فيها الرئيسان نجيب ميقاتي وتمّام سلام اللذان تحفّظا على المشاركة في «اللقاء» إذا كان استعراضياً. لا يبدو زعيم «تيار المستقبل» بعيداً في تحفظاته عن الرؤساء الثلاثة. لعل النقطة الإيجابية هي أن رؤساء الحكومات السابقين الأربعة توافقوا على أن يكون موقفهم موحداً، إما المشاركة سوياً أو الاعتذار سوياً. ثمّة اقتناع لدى السنيورة بأن هدف الحوار هو «تبييض» موقف «حزب الله» ورئاسة الجمهورية وجبران باسيل. لا يمكن للرؤساء الأربعة التعويل على إحداث تبدّلات في ممارسة رئيس الجمهورية للحُكم، ولا في أداء الحكومة ورئيسها الذي وضع كل مفاصل الدولة في يد فريق سياسي. ولا تجربة جلسات الحوار السابقة مشجّعة إذ بقيت حبراً على ورق، لا بل جرى الانقلاب عليها والتنصل منها. ربما أقصى ما يمكنهم تحقيقه متضامين هو الضغط في اتجاه التوصل إلى «ربط نزاع»مع «حزب الله» حول أمن المدن والأحياء السكنية منعاً للانزلاق إلى الفتنة المذهبية، وتفادياً للجنوح نحو فوضى السلاح.وربما إذا أسعفهم الحظ يستطيعون، بمساندة قوى سياسية أخرى، انتزاع تسليم «حزب الله» بوقف تهريب الدولار والمواد الاستراتيجية إلى سوريا تحت وطأة سيف «قيصر»، فيطيلون بذلك أمد صمود اللبنانيين أمام الجوع.
يريد رئيس مجلس النواب تأمين مشاركة الحريري، ويُساعده في ذلك الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. تارة يضغط بري ترغيباً، وتارة أخرى ترهيباً من باب أن «مرشد الجمهورية» السيد حسن نصرالله لا يستطيع أن يصبر طويلاً. يحمل بري بيده رسائل السلم ويترك نصرالله بيده رسائل الحرب، لكن توزيع الأدوار لن يوصل في نهاية المطاف إلى ما يريده «سيّد حارة حريك». يوم الاثنين، من حيث المبدأ، سيكون هناك اجتماع لرؤساء الحكومات السابقين للتشاور لاتخاذ الموقف النهائي. الخيارات المطروحة تتراوح بين المشاركة بضمانات يكون قد حصل عليها بري من نصرالله بعدم التعرّض أمنياً للمدن والأحياء السكنية، ويكونون بذلك قد كسبوا ضمان الأمن الوطني وفوّتوا الفرصة على عودة منطق الأمن الذاتي. أما الخيار الآخر، فهو المشاركة للقولبصراحة ما يعتري العقول والقلوب والمخاطر المحدقة باستمرار «غزوات التخريب»، فيما الخيار الثالث يجنح نحو الغياب المدعّم ببيان عالي النبرة شكلاً ومضموناً، خصوصاً أن إخفاق «اللقاء» في تحقيق شيء ملموس ستكون له ارتدادات عليهم أكبر في الشارع السنيّ.
لدى السنيورة قناعة بأنه يجب إنتاج موقف وطني من أجل التصدي للمخاطر القادمة إلينا وكيفية الخروج منها، فالموقف الوطني هو الذي يحمي ويُشكّل رافعة لحماية الدولة والمؤسسات والدستور، إنما لا يبدو جازماً بالقدرة على إنتاج منصة وطنية في هذه الظروف رغم الحاجة الملحة إليها. يبدو على يقين أن المسكنات ما عادت تُفيد. المطلوب حلول وطنية تبدأ من رأس الهرم المتمثل برئاسة الجمهورية الذي عارض وصوله بشدّة، وبات معها يتم الترحّم على الفراغ الذي لو بقي لكان أفضل من وصول عون إلى سدّة الرئاسة.
ما عاد هناك من شكوك أنّ لبنان يدفع ثمن تدخل «حزب الله»في دول عربية كسوريا والعراق والكويت واليمن والبحرين، وغير عربية كألمانيا وأميركا الجنوبية. يقول السنيورة: هناك مَن وضع لبنان على ممر الأفيال بحيث يتعرَّض اليوم لهذه الصدمات. كيف يمكن الاعتقاد أن ما فعله «حزب الله» في المنطقة يمكن أن يبقى دون حساب أو يمكن أن ننفذ منه؟ الأميركيون استهدوا على سلاح فعّال لا يُكلفهم رجالاً ولا دماء ولا أموال، هو سلاح العقوبات وآخره قانون» قيصر. وبطريقة أو بأخرى أصبحنا كلنا مستهدفين مع «حزب الله» نتيجة أفعاله التي ستجرّ اللبنانيين إلى الانتحار.