التحديات تتجمع أمامنا والأزمات تتراكم فوقنا، كما “ان الأحزان لا تأتي فرادى” حسب شكسبير. ولبنان المنقسم المحكوم بثنائية حكم هش وتحكّم صلب يحتاج الى كثير من الحكمة في هذه الايام. فلا قانون “قيصر” سوى نقلة كبيرة على رقعة الشطرنج في حرب سوريا التي هي جزء من الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها. ولا من السهل في ظروفنا المعقدة ان نتفق على مقاربة آمنة للتعامل مع ” قيصر”، حيث اللعبة مفتوحة والتوفيق بين المواقف المتناقضة مهمة مستحيلة.
ذلك ان الهرب الى أمام كالعادة لا يخفي التحدي. والمواجهة لا تضمن سوى المزيد من معاناة الأزمات التي نتخبط فيها ولا أحد يجهل الى اين تقودنا مقاربة السيد حسن نصرالله، الذي دعانا الى مواجهة شاملة مع اميركا، ونحن نبحث عن دولار لنا ولسوريا ايضاً في أصعب مفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ففي البدء كان الخطأ من منظور المصلحة الوطنية اللبنانية: التصرف كأن اميركا هي “العدو”. وفي النهاية يأخذنا قتال اميركا الى “الشرق” وشراء السلع من ايران الخاضعة للعقوبات الاميركية. والمفارقة ان من هموم ايران الملحة السعي لرفع العقوبات الاميركية، في حين ننضم نحن الى “نادي العقوبات”. اما الاستثمارات الصينية، فإنها نافذة مهمة مفتوحة، وليست الباب البديل من الغرب الاميركي والاوروبي.
لكن هذا هو الخيار الوحيد لـ”حزب الله” الذي لم يعد حريصاً على الفصل، ولو في الشكل، بين دور سلاحه في المقاومة ودوره في السياسات الداخلية والخارجية، وانعكاس دوره في حرب سوريا على التوازنات في لبنان. فالسلاح في خدمة “محور الممانعة”. وقتال اميركا معركة إيران، لا معركة لبنان الذي كان ولا يزال مع بعض الاستثناءات والاغلاط، حريصاً على التوازن في العلاقات مع اشقائه العرب وفي حاجة الى الغرب. والمعادلة الجديدة التي رد بها السيد حسن نصرالله على معادلة الجوع والسلاح هي “سنقتل من يريد تجويعنا بالسلاح ويبقى السلاح في أيدينا”. وبدل الاستراتيجية الدفاعية، تحل استراتيجية الدفاع عن السلاح.
أما معظم اللبنانيين فان لديهم خياراً آخر. ومن الوهم ان يتصرف اي طرف كأن لبنان مساحة جغرافية وليس وطناً جذوره قوية مثل الارز، وإن تكسرت أغصانه. واللعبة اكبر ممن يحاولون ممارسة ما يسمى “مبدأ كلينتون”: قوي ومخطئ يغلب ضعيفاً على حق”. ولن تستمر ايام الاستقواء والاستضعاف.