عادة ما جذبت الأحزاب الإيديولوجية الفلاسفة والمحللين والمراقبين لدراسة شؤونها في السياسة والفكر والهوية والهدف، فخلصوا إلى أساس ثابت، أنّه مهما تلوّنت هذه الأحزاب بمشاريع الحداثة والتطوّر، يبقى الأمر شكلياً، يرتبط فقط بتطور اللغة والأفكار التي تتناسق مع الظرف الآني، في حين، يبقى الهدف الأسمى تحقيق العقيدة. بمعنى آخر، تتطور الأفكار لدى الأحزاب العقائدية لخدمة العقيدة التي تبقى ثابتة. أمّا المسار الذي تسلكه الممارسة السياسية لهذه الأحزاب، فبحسب علم السياسة، قد يكون متدرّجاً ومتعرّجاً أو ضمن خط مستقيم لا فرق، لكن المهم الوصول إلى الهدف المرجو.
قصد الشيخ نعيم قاسم ما قاله في مقابلته الأخيرة للـ»LBCI»: «لم نتبدّل على المستوى العقائدي وما قلناه في وثيقتنا عام 1985 سيبقى، ما دمنا نعمل». فيما لم يؤكد تمسّكه بوثيقة 2009، علماً أنها الأكثر تطوراً. كما أنه تبرّأ من الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي والنية لتعديل الطائف والدستور، والذي يبقى أمراً تفصيلياً لمَن يقرأ في قاموس «حزب الله».
الباحث في الشؤون الإيرانية وشؤون «حزب الله» فايز القزي، يقول لـ»الجمهورية»: «إنّ الشيخ قاسم يدعو الى فهم رسالة المستضعفين التي نشرها «حزب الله» في 6 شباط 1985، وهي الوثيقة السياسية الأولى للحزب في لبنان الناتجة عن المؤتمر التأسيسي الأول. وأهم ما جاء فيها: «… نحن في لبنان لسنا حزباً تنظيمياً مغلقاً، ولسنا إطاراً سياسياً ضيقاً… إننا أبناء «أمّة حزب الله» التي نَصَر الله طليعتها في إيران، وأسّست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم…».
ففي مجال العقيدة، إنّ «حزب الله» هو جزء من الأمّة الاسلامية الايرانية ويتبع ولاية الفقيه»، وهو أمر معروف ومُعلن.
وتفسير كلام قاسم لا يمكن إلّا أن يكون من منطلق عقائدي، فهو «يلمس الجوهر، وهذا الجوهر هو تعبير عن انّ النظام السياسي والديني والشرعي والمدني محدّد في عقيدة لا تتطور. هو يطوّر اللغة، والمفردات، بينما العقيدة ثابتة لا تتبدّل. ومعناه الواضح أنه يريد دولة إسلامية في لبنان»، هذا ما يقوله القزي.
ومن يُنكر أو يتنكر لهذا الواقع، يضع الحزب خارج المفهوم الطبيعي لولاية الفقيه وهذا غير وارد. «هذا التماهي الحاد، يقودنا إلى ما ورد في مقدمة الدستور الايراني، التي تتحدث عن أنّ «مهمة القوات المسلحة الإيرانية لا تقتصر على حفظ النظام الاسلامي في ايران فحسب بل نشره في العالم».
من جهته، يتماهى مرجع سياسي في حديثه لـ»الجمهورية» مع ما طرحه القزي، ويقول: «على رغم تأكيد قاسم انه مع الدستور وعدم تعديل الطائف إنما الاساس البنيوي في حديثه أنه يدعو الى «جمهورية اسلامية» ولو انّ تحقيق هذه الدعوة يكون بالخيار وليس بالقوة. بمعنى ان يترك للبنانيين حرية اختيار الدولة الاسلامية»، على الرغم من التعديلات التي وردت على وثيقة «حزب الله» السياسية في الـ2009».
من هنا الدور الكبير المُناط بـ»حزب الله» في لبنان. وعند التمعّن في رسالته وممارساته، يتبيّن بحسب القزي، أنه «حزب إسلامي مثل «داعش» وغيره من الأحزاب الإسلامية، التي تطمح إلى تطبيق الإسلام، كلّ بحسب معتقده، و»حزب الله» يطمح لتحقيق الاسلام الشيعي السياسي في لبنان، مع ما يعنيه من سيادة لمنطق الغزو والاحتلال عندما تقتضي الحاجة».
ويحاول الحزب إضاعة الرأي العام من خلال ممارسة التقيّة السياسية. والحديث عن أنه لا يدعو إلى مؤتمر تأسيسي ولا إلى تعديل الطائف، إنما يندرج في إطار التقيّة. وفي السياق، يذكّر القزي، بحادثة جرت في العام 2009 عندما كان يَتلو السيّد نصرالله شخصياً «الوثيقة السياسية لـ»حزب الله»، بـ»نسختها المتطورة»، فقطع أشواطاً في المزايدة على قوى 14 آذار في مسألة الدفاع عن لبنان، عندما قال: «إنّ لبنان هو وطننا ووطن الآباء والأجداد، كما هو وطن الأبناء والأحفاد وكل الأجيال الآتية، وهو الوطن الذي قدّمنا من أجل سيادته وعزّته وكرامته وتحرير أرضه أغلى التضحيات وأعزّ الشهداء… (الفصل الثاني، لبنان، أولاً – الوطن). ولدى الانتهاء من كلامه، تقدّم إليه الصحافي طلال سلمان بسؤال: «هل نقول أهلاً بك في النادي السياسي اللبناني؟ فردّ نصرالله: أنت تستعجل الأمور، نحن في العقيدة لا نتغيّر ولا نتبدّل. فكل ما يتعلق بالعقيدة الفكرية لا يتغير».
وبالتالي، يجدّد القزي التأكيد أنّ «حزب الله» قوة إيرانية عسكرية في أوجه سياسية تأتَمِر بولاية الفقيه الايراني. وهو (أي الحزب) يسعى لبناء النظام الاسلامي في كل العالم. وسلاحه هو سلاح إيراني مهمته تحرير العالم من كل النظم السياسية وتطبيق الاسلام».
وأعاد ما قاله في لقاء في السعودية عن إيران و»حزب الله»: «تفتشون عن النشاط النووي الايراني في قم وغيرها فيما القنبلة النووية الايرانية موجودة في مقدمة الدستور الايراني. وهنا تكمن الخطورة الأكبر». لا يشكّل «حزب الله» خطراً في سياسته الآنية، إنما في عقيدته».
حنكة في تحقيق الهدف
«لا يريد «حزب الله» تطبيق الاسلام بالقوة، يقول القزي، فهو ينتظر نضوج الظروف السياسية الاقتصادية المناسبة، ويعتبر أنه اذا عرضنا على اللبنانيين أنظمة مختلفة، ومنها النظام الاسلامي، فلن يختار اللبنانيون إلا النظام الاسلامي، لأنه الوحيد القابل للحياة».
«هذا المشروع، ولو بالخيار الحرّ، يتناقض جوهرياً وبنيوياً مع مفهوم اللبننة والميثاق والدولة والدستور، يؤكد المرجع السياسي. إذ إنّ أولوية جميع اللبنانيين يجب ان تكون الالتزام بالدستور وبلبنان أولاً، وبمنطق الميثاق وبمبدأ الدولة القائمة وطبيعتها. وطالما انّ عقيدة «حزب الله» تتمحور حول الجمهورية الاسلامية كخيار أفضل وأنسَب ولو لم تكن بالفرض والقوة، طالما أنه لا يمكن تحقيق مساحات مشتركة بين جميع اللبنانيين، على قاعدة أنّ البلد يجب ان يكون مبنيّاً على مساحة مشتركة بين الجميع بنظرة واحدة لطبيعة الاجتماع اللبناني والدولة اللبنانية. أي الاجتماع على مبادئ واحدة تحت سقف دولة واحدة ونظرة واحدة وأولويات واحدة».
من جهته، يؤكد القزي أنّ «حزب الله» يريد الدولة اللبنانية كلّها. ومخطئ من يتحدث عن أنّ الحزب هو جزء من المجتمع اللبناني، هو ليس ولن يكون جزءاً من لبنان، فهو يعترف «نحن أمّة «حزب الله» الاسلامية التي نَصَر الله طليعتها في إيران»، مؤكداً أنّ لبنان اليوم في مرحلة احتلال إيراني غير معلن. والحزب يهدف إلى «إحقاق الفراغ السياسي في لبنان لفرض النظام الإسلامي».