ساعات قضاها اللبنانيون أمام شاشات التلفاز والهواتف يشاهدون هجوم مناصري “حزب الله” و”أمل” على المتظاهرين على جسر الرينغ في بيروت والذي استمر حتى طلوع فجر أمس. مشهد تصاحب مع أمل الثوار بأن يستيقظ ضمير أحد الزعماء فيتصل بمسؤولين في حزبه للعمل على ضبط مناصريهم ومحازبيهم، لسحبهم من الشارع منعاً لانفلاته وسقوط الضحايا. غير أن المعتدين ظلوا لساعات في الشارع بمواجهة المتظاهرين، وسمع الناس الكلام الترهيبي ضد كل من يسيء لـ”الزعيم”.
وربما كان هذا الزعيم مثلنا، متسمّراً أمام الشاشة، يتأمل المشهد، مع فارق أنه لربما انطبعت على وجهه ابتسامة، ولربما شعر بالسعادة لمشهد مناصريه وهم يواجهون شباباً نزلوا إلى الشارع للمطالبة باتخاذ خطوات تنتشل البلد من الانهيار. أما الجيش فوقف بين المعتدين والمعتدى عليهم، مكتفياً بتشكيل جدار بشري. وكأنّنا امام معادلة: الجيش بين الشعب و”المقاومة”.
ليل البلطجة كان طويلاً، بدأ بعد أن قام عدد من المتظاهرين بقطع الطريق عند جسر الرينغ. استنفر مناصرو “حزب الله” و”أمل” بمواجهة المتظاهرين، وعمدوا الى استفزازهم. بعدها نزل المزيد من مناصري الثنائية إلى الرينغ بحجة أن هناك من شتم الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله.
“من يشتم نصرالله يُقتل”، هي رسالة أحد أنصار الثنائي، وتبدو أقرب إلى شماعة يودّ “حزب الله” و”أمل” استخدامها لفضّ التحركات والاعتداء على الثوّار لوأد ثورتهم، التي اندلعت شرارتها في 17 تشرين الأول واستطاعت في يومها الأول استقطاب جمهور الثنائية، قبل أن يطلب منهم نصرالله الخروج من الساحات.
البلطجة قابلها الثوار بالإصرار على متابعة ثورتهم بسلمية، ومقابل الشعارات المذهبية الفتنوية، رفع الثوار شعارات تعبر عن وحدة الشعب. ورغم غضبهم نتيجة ما تعرضوا له من تهديد بالقتل والشتم والاعتداءات الجسدية غير أن معظم المتظاهرين تصرّف بوعي، فحاولوا منع رفاقهم من إطلاق الشعارات التي قد تستفز الخصم، علماً أنه أول من بادر بالاعتداء.
ويشير عدد من المتواجدين في ساحة اللعازارية في حديث إلى “نداء الوطن” إلى أنهم لم يشتموا أي أحد، وبأن من قام بالشتم أرسل من قبل “البلطجية” الذين اتخذوا من كلامه ذريعة. ويذكر أحد الثوار أنهم أبلغوا بنية مناصري “أمل” و”حزب الله” مهاجمة الخيم في اللعازارية فحاولوا حمايتها، لكن المعتدين وصلوا إلى الساحة وتمكنوا من تحطيم بعضها، فتمكنت عناصر القوى الأمنية والجيش من إبعادهم. ويذكر الشاب أنه وأثناء توجهه مع رفاق له في اتجاه الرينغ أوقفهم 4 أشخاص على دراجة نارية، “كانوا يؤمنون التغطية للمهاجمين وطلبوا منا الابتعاد”. وقابل الثوار “البلطجة” التي مورست عليهم وخطاب الكراهية والتهديد بالقتل بسلمية، على الرغم من اعتقادهم بأن الاعتداء تمّ بقرار حزبي.
المراسلون هدف للمعتدين
مراسلو المحطات التلفزيونية كانوا أيضاً هدفاً للمعتدين، وتعرضوا كما المتظاهرين للتهديدات والرشق بالحجارة والسرقة. فتعرض مراسلو تلفزيون الجديد للتهديدات المباشرة، وفريق عمل “أم تي في” للرشق بالحجارة. أما الزميلة ديما صادق، والتي تتعرض منذ مدة لتهديدات وشتم من قبل مؤيدي “أمل” و”حزب الله”، فنشل أحد هؤلاء هاتفها من بين يديها.
وبعد رفض أي من الطرفين الانسحاب من الساحة قبل الآخر، أطلقت القوى الأمنية القنابل المسيّلة للدموع لتفريق الطرفين. ونقل متظاهرون أن الجيش عمد لتفريق الطرفين بعد أن أشعل أحد سكان المنطقة دراجة نارية تعود لأحد المعتدين.
وفيما عاد المتظاهرون إلى خيمهم ومنازلهم أكمل مناصرو “الحزب” و”الحركة” تخريبهم فعمدوا إلى تكسير سيارات وممتلكات داخل أحياء الصيفي ومونو. وصباحاً أعاد الثوار نصب خيمهم التي تمّ تحطيمها في موقف اللعازارية، أما أهالي الأشرفية فخرجوا لإحصاء خسائرهم. وروى هؤلاء لوسائل الإعلام ما جرى معهم، مؤكدين أنهم التزموا منازلهم بينما كانوا يسمعون الضجة والأصوات الناجمة عن التكسير. لكن النهار كان هادئاً وطبيعياً على الرغم من صخب ليل تجاوزت فيه المنطقة محاولة جرها إلى فتنة. ليل حضر صباحاً في أحاديث سكانها.
وعبّر ثوار على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم من المشاهد التي شاهدوها ومن الخطاب الطائفي الذي علا بوجه الخطاب الجامع للمتظاهرين. فحمّل هؤلاء “حزب الله” و”حركة أمل” المسؤولية المباشرة عن الاعتداءات واعتبروا أنها إشارة إصرار على مواجهة المتظاهرين. وتناقلوا تغريدة لجواد نجل نصرالله يبرر فيها اعتداء مناصري “حزب الله” على الثوار، بأنها ردة فعل على شتم والده.