لبنان في حال مراوحة طويلة والطبقة السياسية عاجزة عن القيام بالتغيير المطلوب
لا توحي مؤشرات الحركة السياسية الخجولة بأي متغيرات أو مفاجآت غير متوقعة، يمكن ان توقف الانهيار المالي والاقتصادي الذي انزلق إليه لبنان منذ الخريف الماضي، ما يؤشر بوضوح إلى ان الأزمة القائمة ستشتد وطأتها على المواطنين معيشياً واجتماعياً، وستطول أكثر مما هو متوقع، في ظل عجز فاضح وغير مسبوق للطبقة السياسية عموماً من اتخاذ أي مبادرة أو القيام بتحرك ما لحل الأزمة وإعادة سكة الحياة السياسية إلى طبيعتها المعهودة، فالسلطة بالاجمال، عهداً وحكومة والتي يهيمن عليها «حزب الله» بالكامل، لم تستطع إدارة البلد وتقديم نموذج قادر على مقاربة الأزمة الضاغطة بأسلوب ناجح وآلية إيجابية مؤاتية بالرغم من مرور ما يقارب الخمسة أشهر على تسلمها زمام المسؤولية ومباشرة مهامها، بل على عكس ذلك تماماً، لم تستطع هذه السلطة مجتمعة تنفيذ الحد الأدنى من الوعو دالمقطوعة لحل الأزمة القائمة حتى في المسائل والقضايا والشؤون العادية، وإنما استولدت ممارساتها الخاطئة سلسلة من المشاكل الإضافية، زادت من حدة الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية وضغوطاتها التي باتت أكثر من طاقة تحّمل معظم اللبنانيين.
ولعل أبرز الامثال على تعثر وفشل السلطة عموماً والحكومة خصوصاً في القيام بالمهام الأساسية المنوطة بها، التعثر الفاضح في إنجاز خطة الانقاذ الاقتصادي والمالي التي تشكّل الممر الاجباري لحل الأزمة المالية تدريجياً والاستمرار بالدوران في مسلسل المداولات والتحسينات وتوحيد الرؤى وارقام الخسائر وغيرها، في حين يتطلب الأمر اختصار الوقت قدر الإمكان للحصول على المساعدات المادية من صندوق النقد الدولي للمباشرة بحل الأزمة.
ولعل تردي مشكلة الكهرباء نحو الأسوأ قياساً عمّا كان سائداً من قبل، إلى حدود الكارثة الظلامية التي عمت كل لبنان، يعتبر مثالاً اضافياً على الفشل الذريع والفاضح للحكومة، في حين يمثل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية قياساً عمّا كان عليه لدى تأليف الحكومة الحالية وانعكاساته السلبية على ارتفاع تكاليف المعيشة المثال الأبرز على الفشل الحكومي برمته.
السلطة فشلت في القيام بالمهام الأساسية المنوطة بها والتعثر فاضح في إنجاز خطة الإنقاذ الإقتصادي والمالي
وبالرغم من هذا المسار الفاشل للحكومة بامتياز في كل المسائل والشؤون التي قاربتها، تستفيد السلطة عموماً من تفكك المعارضة عموماً وعدم قدرتها على التوحد والتقارب في ما بينها لتشكيل قوة سياسية ضاغطة ومؤثرة، قادرة على احداث التغيير المطلوب، لانعدام الثقة بين مكوناتها استناداً إلى التجارب السابقة من جهة ولاعتقاد أطراف مؤثرين فيها بعدم جدوى أي حركة تغييرية في الوقت الحاضر لوجود لبنان بين فكي كماشة الصراع الأميركي الإيراني بالمنطقة من جهة ثانية، ما يتطلب التريث بانتظار حلحلة ما بهذا الصراع أو تبيان ما ستكون عليه نتائج الصراع الدائر في المستقبل، لئلا تؤدي أي حركة ناقصة أو خطوة غير محسوبة إلى تداعيات غير محمودة ونتائج سلبية تنعكس ضرراً على الوضع العام برمته.
ويبدو من سلسلة المواقف ومسار الحركة السياسية عموماً، فإن معظم الأطراف السياسيين المؤثرين، لا يبدون متحمسين لخوض أي خيار سياسي باتجاه تبديل واقع السلطة القائم في ظل استمرار عهد الرئيس ميشال عون وفريقه المدعوم من «حزب الله»، باعتبار انه لا جدوى مطلقاً للتعاون مع هذا الفريق استناداً إلى تجارب السنوات الثلاث الماضية وما يتبعها حالياً من أداء سيىء وممارسات تعطيلية ومحاصصة لمؤسسات ومواقع الدولة الوظيفية، بالتزامن مع اشتداد حالة الصراع الأميركي – الإيراني بالمنطقة وانغماس الحزب بهذا الصراع دون مراعاة لوضعية لبنان ومصالح أبنائه التي باتت اسرى لهذا الواقع وتدفع ثمنه سياسياً واقتصادياً ومعيشياً باستمرار.
إزاء هذا الواقع المأزوم المرتقب استمراره إلى وقت غير معلوم، أكان حتى موعد جلاء نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية كما يتحدث البعض، أو لحين انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، لا يبدو في الأفق ما يؤشر إلى استعداد «حزب الله» لتبديل تعاطيه مع وجود حكومة حسان دياب التي يدعمها ويرتاح لوجودها بالسلطة، بالرغم من حالة الفشل والاهتراء التي تنعكس تدهوراً على واقع الحياة المعيشية والاجتماعية للمواطنين من جهة، أو لقبوله باخراج لبنان من دوّامة الصراع الأميركي الإيراني حتى الآن من جهة ثانية أيضاً، وهذا يعني مراوحة الأوضاع المتردية وغير المستقرة في لبنان على هذا النحو لحين جلاء المتغيّرات الإقليمية والدولية على الارجح كما يتوقع معظم السياسيين في هذه الأيام وقد تزداد حدة الأزمة المالية خلالها أكثر مما هو متوقع.