في رده على سؤال حول طرح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المتعلّق بالحياد، اكتفى رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد بالقول من عين التينة “اطّلعنا على الموقف ونتابع ردود الفعل”.
اطلالات إعلامية عدة قريبة لمسؤولين في “حزب الله”، من بينها مقابلة تلفزيونية مرتقبة لنائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم الأحد المقبل، لن يتم التطرق خلالها الى فكرة الحياد المطروحة. كل طرف أدلى بدلوه فأشاد وعقب، منهم من وجدها فرصة للتصويب على “حزب الله” من بوابة البطريركية المارونية ومنهم من استخدمها لتسليف مواقف للخارج. وحده “حزب الله” المعني بالحياد أكثر من غيره لم ينطق بكلمة ولا أصدر موقفاً رغم علمه أن الجميع بانتظار موقفه.
قرار بالصمت اتخذه “حزب الله” ويلتزم به المحازبون. ليس هذا فحسب، بل ان “حزب الله” يؤكد ان كل ما يصدر من مواقف عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يمت له بصلة طالما أنه لم يصدر رسمياً أي موقف. كلّ حلفاء “حزب الله” علقوا على طرح بكركي، من رئيس “الوطني الحر” جبران باسيل الى رئيس المردة سليمان فرنجية وغيرهما، ومثل هذه الردود لم تكن بتنسيق مع “حزب الله” ولا بناء لطلبه، وكذلك الامر في ما يتصل بتعليقات لا تزال مستمرة عبر مواقع التواصل لجمهور عادي أو رجال دين وتحمّل “حزب الله” مسؤوليتها، لكن مصادره تقول: هل على “حزب الله” كم الافواه ليقال أن لا علاقة له بما يصدر من كلام؟ كلّ ما فعله الحزب أنه عمّم على كل اصدقائه عدم الإساءة لأي مرجعية دينية أو التطرق الى فكرة الحياد. أما موقف المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الامير قبلان والشيخ أحمد قبلان، فهما مرجعيتان دينيتان رسميتان تعبران عن رأييهما رداً على طرح مرجعية دينية أخرى. أما ما نقل عن نية الراعي عقد حوار في بكركي يدعو اليه الجميع، فالحديث هنا لا يزال في العموميات وحين توجه الدعوة الى “حزب الله” لمثل هذا الحوار، ويعرف ما المقصود منه وما هي ملابساته، يحدد موقفه حينذاك.
أسباب كثيرة تدفع “حزب الله” في هذه المرحلة الى تجنّب الرد، ليس على طرح بكركي فحسب، بل على كل المواقف الأخرى المرتبطة بطرح بكركي وغيرها من المواضيع. كلّ ما يحصل في البلد تلقى الملامة فيه على “حزب الله”. فشل الحكومة وعجزها، وأزمة الكهرباء والحصار الاقتصادي وأزمة الدولار وغلاء الاسعار وانكفاء الدول العربية عن مساعدة لبنان. كلّها سببها “حزب الله” وسلاحه بحسب خصوم الحزب ممن لا يوفرون فرصة لاستفزاز الحزب في محاولة لجرّه الى مشكلة داخلية. وفجأة فتحت كل المواضع دفعة واحدة فإلى الحياد والحصار الاقتصادي أثير موضوع القرار 1559 واليونيفيل وصولاً الى الموعد المرتقب لنطق المحكمة الخاصة بلبنان بالحكم في قضية اغتيال الحريري.
لعلها من أكثر المراحل التي يكون فيها “اللعب” بهذه الصراحة وعلى المكشوف، حيث يبدو وكأن البعض مؤمن فعلاً بأن الحصار أحكم على “حزب الله” وما المطلوب إلا شد الخناق. رهان هذا الطرف بدأ مع العقوبات الأميركية الاقتصادية وما تلاها من خطوات. لا يحتاج الأمر الى كثير تفسير ان طرح الحياد، وان كانت نية بكركي صادقة فيه، إلا أن فئات أخرى وجدت فيه مرادها وذهبت تنهل من قاموس اللغة عبارات تلتقي جميعها على هدف تطويق “حزب الله” من خلف عباءة بكركي. وإذا كانت مبادرة الحياد بدأت بالتراجع تدريجياً لعدم وجود أفق واضح لها ولعدم وجود إجماع حولها، فإن ثمة إستحقاقاً آخر قريباً يتم التعويل عليه من قبل خصوم “حزب الله” وهو تاريخ السابع من آب، الموعد الذي حددته المحكمة الدولية الخاصة للنطق بالحكم بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. يتنبأ البعض بصدام كبير في طريقه الى لبنان إذ يرى استحالة تقطيع كل تلك الاستحقاقات من دون أي رد فعل من “حزب الله”.
تفيض التحليلات بشأن موقفه فيما يتسلّح “حزب الله” بالصمت. يراقب كل ما يجري من دون تعليق أو رد فعل. ولصمته أسباب يتجنب الإفصاح عنها في الوقت الحاضر، غير أن مصادر مطلعة على أجوائه تفيد بأن “له ملء الثقة بموقعه وامكاناته” وهو لذلك “لن يساجل أحداً ليفيد من سجاله آخرون ويتضرر منه آخرون”. كانت علاقته قائمة مع بكركي من خلال اللجنة السابقة “ولم يصدف ان لهذه اللجنة اجتماعاً قريباً وحين تدعو الحاجة للقاء قريب يبنى على الشيء مقتضاه”.