Site icon IMLebanon

“حزب الله” وإسرائيل “يربحان” الحرب… قبل وقوعها!

 

لعلّ “ملحمة” الصراع العربي الإسرائيلي باتت بحاجة ماسة إلى إعادة نظر جوهرية في تعريفاتها وأدبياتها، التي أسرت شعوباً وأفراداً في فخ أسطورة أُجهضت قبل أن تولد، وتحولت إلى فعل بطولات وهمية متمادية، أسقطت القناع عنها مفاعيل الربيع العربي والثورات المتوقدة.

 

الصراع العربي – الإسرائيلي تحول بفعل أنظمة مارقة وخانعة الى مصالح عربية – إسرائيلية دخلت عليها الأجندة الإيرانية بقوة لتعممها وتعززها عبر “الشريك الأميركي المضارب”، من إيران الى سوريا ولبنان مروراً باليمن والعراق.

 

الصراع المسلح والحروب الكلاسيكية الطاحنة عفا عنها الزمن، لتحل مكانها الحروب الإفتراضية السهلة، تكريساً للمثل الشعبي “الحرب بالنظارات هينة” الذي انقلبت مقاصده وتحول الى حقيقة، إذ يكفي قرع طبول الحرب بين إسرائيل من جهة ومن جهة أخرى سوريا أو إيران عبر “حزب الله” أو التلويح بها والتهويل على الحكومات والشعوب، او القيام بعمليات عسكرية موضعية محدودة النطاق ومدروسة النتائج سلفاً نتيجة الإتصالات عبر القنوات الخفية أو المعروفة، حتى تؤتي الحرب ثمارها وتنتهي بفوز الطرفين بها.

 

والشاهد على ذلك ما جرى منذ أيام حيث زاد على نحو ملحوظ تحليق الطائرات الاسرائيلية المسيّرة على امتداد مناطق الجنوب، وهو ترافق مع تحذيرات اسرائيلية عسكرية وسياسية من مغبة قيام “حزب الله” بالرد على مقتل احد عناصره في سوريا بغارة اسرائيلية قبل نحو اسبوع، وكان آخر التحذيرات الاسرائيلية ما قاله رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من ان اي استهداف لكيانه عبر لبنان “سيرتب ردّاً اسرائيلياً في سوريا ولبنان”.

 

في المقابل يتمسك “حزب الله” في ما يعتبره حقاًّ للرد من الأراضي اللبنانية، انطلاقاً من قواعد الاشتباك التي شدد الامين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله على تثبيتها لجهة ان اي استهداف لعناصر “الحزب” في سوريا، سيؤدي الى رد حزبه من الاراضي اللبنانية على اسرائيل. وهذا ما جرى حين استهدفت اسرائيل عنصرين لـ”الحزب” في نهاية آب من العام 2019، واستهدافها كذلك مركز العلاقات الاعلامية لـ”الحزب” في حي معوض بالضاحية الجنوبية، ورتب ذلك قيام “حزب الله” باستهداف آلية اسرائيلية قرب الحدود مع لبنان في مطلع ايلول. عملية الرد هذه جاءت في سياق تردد ان اتفاقاً ضمنياً بتنسيق روسي، ضمن ان لا تستدرج العملية هذه حرباً لا يريدها الطرفان على ضفتي الحدود اللبنانية – الاسرائيلية.

 

إشارات متناقضة

 

“حزب الله” يطلق اشارات متناقضة حول عملية الرد، فوسائل الاعلام القريبة منه، كقناة “الميادين”، أشارت الى ان “حزب الله تلقى رسالة اسرائيلية عبر الامم المتحدة، تشير الى ان سقوط عنصر “حزب الله” لم يكن مقصوداً، وانه وقع عن طريق الخطأ”. وكان عضو كتلة الوفاء للمقاومة قد ذهب في الاتجاه نفسه، فالنائب الوليد سكرية قال في حديث اذاعي انه يتوقع ألا يرد “حزب الله”، ملمحاً الى الرسالة الاسرائيلية الآنفة، ومشيراً الى ان الأوضاع اللبنانية لا تسمح بالتصعيد العسكري او الانجرار اليه. في الوقت نفسه لا يتوقف “حزب الله” عن توجيه الرسائل غير المباشرة الى أن الردّ آت وعبر الأراضي اللبنانية.

 

إزاء كل ما تقدم يمكن الحديث عن حرج يقع فيه “حزب الله”، فهو امام عملية أدت الى سقوط احد عناصره في سوريا، وازاء عملية تحرش اميركية بطائرة ايرانية في الأجواء السورية، وهو يدرك ان فرص الرد وتمنع الحرب تتطلب تنسيقاً ضمنياً مع اسرائيل وبالتالي قبولاً بالرد، وهذا ما يبدو أعقد مما كان عليه الحال في العام الفائت، فالظروف الدولية والاقليمية اكثر تعقيداً، والأزمة اللبنانية تزداد تفاقماً، وسياسة الضغوط الاميركية على ايران وأذرعها انتقلت الى مرحلة جديدة منذ اغتيال قاسم سليماني مطلع شباط المنصرم.

 

في المقابل فان عدم قيام “حزب الله” بالرد، سيزيد من استهداف عناصره في سوريا، وربما يقوض قواعد الاشتباك التي يسعى “الحزب” إلى المحافظة عليها، ولا تبدو اسرائيل في موقع من يريد تقويضها، طالما انها تساهم في تعزيز الاستقرار على الحدود مع لبنان، من دون ان يغيب عن حساباتها ما يشغل بال نخبتها السياسية والعسكرية، “الصواريخ الدقيقة في لبنان”.

 

أما ما يعوق عملية رد غير مدروسة وغير مضمونة النتائج بالنسبة لـ”حزب الله”، هو قلقه من تقويض تحكمه بالدولة اللبنانية، أي ان أي حرب في ما لو وقعت، لن تكون نتائجها لصالحه هذه المرة، فـ”الحزب” جلّ مشروعه يقوم على ترسيخ النفوذ الايراني في سوريا ولبنان، وهذا يتطلب تأجيل اي مواجهة عسكرية مع اسرائيل، بل تحويل العداء لاسرائيل الى ذريعة في سبيل التمدد والسيطرة كما هو الحال في لبنان.

 

أمين عام “حزب الله” الذي يجمع في شخصيته بين البعد الايديولوجي الذي يذهب بعيداً في الولاء للمشروع الايراني، وبين الشخصية الواقعية التي تتيح له ترتيب تفاهمات ضمنية مع اسرائيل، أن الركن الأساس في ولاء جزء من الشيعة اللبنانيين له، هو اطمئنانهم الى انه لن يجرهم الى مواجهة مع اسرائيل، وهذه القناعة هي العقد الراسخ وان كان غير موثق بين نصرالله وهؤلاء.

 

لذا فان “حزب الله” ومنذ حرب العام 2006، وفي سبيل ترسيخ هذه الحقيقة في الوعي الطائفي، منذ ان حوّل فوهة البندقية وزخمها باتجاه الداخل، وبدأ في صوغ مشروع النفوذ الشيعي في المعادلة الداخلية، مستفيداً من بندقية “المقاومة” التي أتاحت له ان يخرج الى سوريا مقاتلاً باسمها امام اللبنانيين وغير الشيعة، وتحت شعار “لن تسبى زينب مرتين” امام جمهوره الشيعي، ولاقى هذا التدخل نوعاً من الالتفاف الشيعي الذي كان معياره الأقوى حماية الشيعة، في الوقت الذي لم يُعر نصرالله فيه أي اهتمام لبقية اللبنانيين الذين رفضوا تدخله على المستويين الرسمي والشعبي. يستحضر ذلك التورط في سوريا، موضوع “الحياد” اليوم، فما كان لا يحتاج الى توافق في التدخل في سوريا، يحتاج “الحياد” اليوم الى توافق لبناني كما تعلن (ملائكة حزب الله). فكيف بوجوده في سوريا اليوم، ألا يستحق اي مساءلة لبنانية او أي توافق عليه؟

 

الرد على الضربة الاسرائيلية مشروط بعدم انجراره الى حرب، لذا فان “حزب الله” سيقدم على الرد، اذا توفرت شروط الأمان، أما غياب هذه الشروط فسيدفعه الى عدم الردّ، او القيام بعملية امنية لا تؤدي الى اتهامه في القيام بها، مردداً المقولة السورية المتخاذلة تاريخياً لحكام دمشق “حق الرد في الزمان والمكان المناسبين”، الذي لم “يحن أوانه” بعد رغم الضربات المتتالية على مر الأجيال!