اضطرّ “حزب الله” لمناورة إعلامية عصر الإثنين، بنفيه القيام بأي عمل عسكري ضدّ إسرائيل في مناطق مزارع شبعا المحتلّة، بعدما تبيّن أنّ استهداف مجموعة من الحزب لدورية تابعة لجيش الإحتلال لم ينجح إثر انكشاف المجموعة، ما أفقدهم عنصر المباغتة.
تخطّت المجموعة السياج الشائك من لبنان إلى منطقة السيطرة الإسرائيلية، لكنّ الإسرائيليين تعاملوا معها، فاضطرّت إلى التراجع والعودة من حيث أتت. وبما أنّ أياً من أفراد المجموعة لم يُصب بأذى جرّاء القصف الإسرائيلي، أتاح ذلك المجال للحزب أن يُكذّب قول الجانب الإسرائيلي إنّ تسلّل عناصر الحزب إلى منطقة مزارع شبعا هو سبب قصفه تلال الهبارية وكفرشوبا.
استبدال الحزب العملية العسكرية بالمُناورة الإعلامية حقّق له أموراً عدّة. فهو أبلغ إسرائيل الرسالة الروتينية التي دأب على إيصالها في كل مرّة يُصاب بخسائر جرّاء القصف الإسرائيلي على مواقعه في سوريا، بأنّ ردّه سيكون محدوداً بالزمان والمكان، فنفى القيام بالعملية من أساسها، بما يؤشّر إلى التزامه قواعد الإشتباك وإعادة الهدوء. وهو ثانياً أوحى بأنّ الجانب الإسرائيلي أُصيب بالإرباك بالرغم من أنّ الحزب لم يقُمْ بعملٍ عسكري، في سِياق الحرب النفسية والإعلامية ضدّ الإسرائيلي. وهو ثالثاً، أوحى لجمهوره في سياق التعبئة النفسية والسياسية، بأنّه أرعب الجيش الإسرائيلي، فأخذ يقصف الأراضي اللبنانية بعدما أصابه “الذعر”، في وقت بقي عدم نجاحه في إتمام العملية طَيّ الكتمان… ورفع معنويات هذا الجمهور مُتوعّداً بأنّ ردّه على قتل غارة إسرائيلية أحد عناصره في جنوب دمشق قبل 8 أيام “آتٍ حتماً”.
لا ينفي ذلك أنّ التوتر الذي حصل كان يُمكن أن يأخذ الجبهة إلى وضعٍ خطير. فالعملية التي حاول الحزب تنفيذها، تأتي بعد غضّ نظره في الأشهر الأخيرة عن وعده بالردّ على الغارات الإسرائيلية التي تستهدفه، لتموضعه في كثير من المواقع السورية، مع “خبراء” “الحرس الثوري الإيراني” والميليشيات التابعة له، بالرغم من تهديد أمينه العام السيّد حسن نصرالله قبل أشهر، وبعد حادث إرسال إسرائيل المُسيّرات إلى الضاحية الجنوبية بأنّه سيردّ إنطلاقاً من لبنان. منذ حينها، ردّ مرّة بقصف آلية، وأسقط إحدى المُسيّرات، ثمّ تغاضى عن عشرات الطائرات التي تخرق الأجواء اللبنانية أو تقصف الأراضي السورية.
عملية الإثنين تأتي في إطار مُختلف يتعلّق بتصاعد الإستهداف الإسرائيلي للقوات الإيرانية في سوريا في الأسابيع الماضية، وبتدمير مواقع تتمركز فيها مع الفرقة الرابعة، وباعتراض طائرات حربية أميركية طائرة ركّاب إيرانية لشركة “ماهان”، فوق قاعدة التنف الأميركية، وسط توالي حوادث التفجيرات والحرائق داخل إيران…
احتاج الحزب هذه المرّة إلى استعراض قُدرته على خلق التوتّر، غير آبهٍ بأنّه يُنفّذ عملية من لبنان ردّاً على ما تعرّض له في سوريا، ضارباً بعرض الحائط الدعوات إلى تحييد البلد عن حروب المنطقة، ولا سيّما من البطريرك الماروني بشارة الراعي. وهو تلقّى تغطية كاملة لانخراطه في سوريا، من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي ميّز بين تدخّله فيها، ودوره في اليمن.
قد يكون على لبنان أن يتوقّع مزيداً من العمليات المُشابهة، في إطار المواجهة الأميركية ـ الإيرانية، ولتحييد الأنظار عن صدور الحكم في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 7 آب المقبل.