IMLebanon

توجُّه «حزب الله» بعد فــشل تجربة حكومة دياب

 

على رغم أنّ «حزب الله» يرفض إجراء انتخابات نيابية مُبكّرة، إلّا أنّ وضع رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب هذا الطرح على طاولة مجلس الوزراء، لم يكن يستدعي حسب «الحزب» دفع دياب الى الإستقالة. وتقول مصادر قريبة منه: «ما كان بدّا هلقد». وقبل التطورات السياسية الأخيرة بعد الإنفجار في مرفأ بيروت ودخول المجتمع الدولي مجدداً الى الساحة اللبنانية، كان «حزب الله» يؤكّد أنّ حكومة دياب التي سُمّيت على إسمه: «باقية باقية باقية». فلم يكن ينقص «الحزب» ضغطاً إضافياً، في وقتٍ يتعرّض لضغوط داخلية وخارجية من مختلف الجهات، وفاقمها إنفجار بيروت.

 

يعتبر البعض، أنّ السلاح الأقوى الذي يملكه «حزب الله» الآن في الداخل اللبناني هو «سلاح الأكثرية النيابية»، الذي مكّنه من الإتيان بحكومة دياب التي سُميّت «حكومة حزب الله»، بعد أن أوصل العماد ميشال عون الى كرسي رئاسة الجمهورية، وبالتالي وسّع نفوذه وعزّز موقعه الى حدّ السيطرة على السلطتين التشريعية والتنفيذية. لكن حكومة تصريف الأعمال الحالية ليست الشكل الأفضل والأنسب من الحكومات بالنسبة الى «الحزب»، فالحكومة التي تلائمه هي حكومات «الوحدة الوطنية»، إلّا أنّ إحتمال عدم التمكن من تأليف حكومة كهذه، في ظلّ رفض شعبي وسياسي داخلي، فضلاً عن رفض دولي، جعل «الحزب» يتمسّك بحكومة دياب.

 

أمّا وقد «أُسقطت» حكومة «مواجهة التحدّيات» بعد محاولة رئيسها تحدّي الأكثرية النيابية ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فبات «الحزب» الذي يعتبر أنّ سقوط حكومة دياب «خسارة»، أمام تحدّي تأليف حكومة جديدة يطمئن إليها ولا تهدّد مصالحه وامتيازاته أو تستهدفه، فضلاً عن تحدّي تأليف حكومة كهذه سريعاً.

 

أمّا الهدف الحكومي الأوّل الذي يسعى إليه «حزب الله» الآن، فهو «حكومة توافق»، وينتظر أن تنجح المساعي السياسية في هذا الإطار، في ظلّ دعم وعمل كلّ من عون وبري. وتقول مصادر مطّلعة على موقف «الحزب»، إنّه «على رغم امتلاكه الأكثرية النيابية لا يسعى الى فرضها، وخياره هو التوافق وإيجاد قواسم مشتركة مع الجميع».

 

وجاءت استقالة دياب على بُعد نحو ثلاثة أشهر من الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وبعد انفجار بيروت الذي يُحمّل كثيرون «حزب الله» مسؤوليته، وبالتالي، إنّ لبنان و»الحزب» أمام أشهر صعبة مفتوحة على كلّ الإحتمالات حسب ما تؤكّد جهات مؤيّدة لخط «المقاومة». وإذ يعتبر «الحزب» أنّ «الإنفجار في مرفأ بيروت هو حادث مبدئياً الى حين ظهور نتائج التحقيقات»، يرى أنّ محاولة تحميله مسؤولية هذه الجريمة بتسويق مُمنهج هو استهداف له.

 

وبعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبيروت، وحديثه عن عقد سياسي جديد وضرورة تغيير الـ»سيستم» في لبنان، فضلاً عن مساعٍ سياسية دولية على أكثر من جبهة لإيجاد حلٍّ ما للأزمة اللبنانية الراهنة، يُطرح سلاح «حزب الله» ودوره مجدداً على طاولة البحث. وتقول جهات سياسية معارضة، أنّ المجتمع الدولي بات يعلم ومقتنعاً أنّ تعايش الدولة في لبنان و»حزب الله» غير ممكن، ومن هذا المُنطلق يجري البحث عن تركيبة جديدة داخلية مفيدة». وتشير الى أنّ الحديث عن نزع سلاح «حزب الله» أمر ميؤوس منه ولا يُمكن أن يتحقّق إلّا بتغيّر جدّي في قواعد اللعبة دولياً ـ إقليمياً ـ داخلياً، وبالتالي هناك سعي الى الاكتفاء بتحجيم هذا السلاح وحصره في المناطق الموجود فيها وشلّ قدرته على السيطرة على قرار الدولة اللبنانية.

 

وفي حين بات سلاح «الحزب» تحت المجهر مجدّداً، وتبرز مطالبات داخلية وخارجية بكف يده وحلفائه عن قرار الدولة في لبنان، لا يبدو أنّ هناك خطوة ذاتية طوعية من «الحزب» توحي بتراجُعٍ ما، خصوصاً أنّ إيران لن تقدّم أي تنازلات قبل تبيان هوية الرئيس الأميركي الجديد. وتقول مصادر مطّلعة على موقف «الحزب»، أنّه «مستعد للبحث في الاستراتيجية الدفاعية، لكن ليس هو من يدعو الى حوار كهذا بل المعنيون». وترفض ما يُقال عن أنّ «الحزب» يفرض سيطرته على البلد، مؤكّدة أنّه لا يضع «أيّ فيتو في الداخل، وكلّ شيء قابل للنقاش لديه»، مشيرةً الى أنّ «الحزب» كان مُعارضاً التفاوض والإتفاق مع صندوق النقد الدولي، إلّا أنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أكّد أنّ هذا الموضوع قابل للنقاش، وبعد حصول هذا النقاش عاد ووافق على التفاوض مع صندوق النقد».

 

وعلى رغم من أنّ المصادر نفسها تؤكّد أنّ «حزب الله على يقين واقتناع بأنّ لبنان لا يُدار إلّا بالتوافق والتفاهم»، تقرّ بأنّ «سلاح المقاومة غير قابل للنقاش طالما أنّ هناك خطراً على لبنان من إسرائيل». وفي حين أنّ موضوع سلاح «الحزب» إشكالي في لبنان، ويُطالب كثيرون بنزعه أو تسليمه الى الدولة وقواها الشرعية، تقول: «حين يقنعون الحزب أنّ اسرائيل ليس لديها أطماع في لبنان، يقبل أن يناقش موضوع سلاح المقاومة».

 

بعد فقدان الأمل من حلّ أزمة سلاح «حزب الله» وارتباطه الإقليمي، بدأت تبرز دعوات الى إرساء لبنان دولة فدرالية، انطلاقاً من عدم إمكانية التعايش بين الدولة والدُويلة. وفي هذا الإطار تشير المصادر المُطّلعة على موقف «حزب الله»، الى أنّه مُقتنع بمقولة «لبنان أصغر من أن يُقسّم وأكبر من أن يُبلع»، لافتةً الى أنّه أوّل من دعا الى أن يُطرح على بساط البحث بين اللبنانيين موضوع تكوين نظام جديد. وإذ تذكّر بأنّ الحزب عندما تحدّث مرة عن عقد مؤتمر تأسيسي «قامت القيامة»، تقول: «حين تتحدّث أمنا الحنون فرنسا عن نظام أو عقد جديد يصبح كلامها مقدّساً».

 

وعلى رغم من أنّ مشاركة «الحزب» في الحرب السورية انعكست سلباً على الداخل اللبناني وعلاقات البلد بالدول العربية، ولا سيما منها الخليجية، وفي ظلّ حاجة لبنان الى أيّ مبادرة «حسن نية» تمهّد لفتح باب الدعم والمساعدات، فإنّ انسحاب «الحزب» من سوريا غير وارد على أجندته في المستقبل القريب.

 

وانطلاقاً من مرحلة شدّ الحبال بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في الأشهر المقبلة، ترى جهات سياسية أنّ «دياب قد يصرّف الأعمال لفترة طويلة». وتقول: «في كلّ الحالات، إنّ «حزب الله» يتصرّف كأي فيلق عسكري، وإذا تراجع الى الوراء تكون خطوته مناورة، وهو لن يكف عن احتلال لبنان، فهذا القرار لدى إيران»، مشيرةً الى الدليل الأخير الواضح حول مكمن هذا القرار، وهو الإتصال الذي جرى بين ماكرون والرئيس الإيراني حسن روحاني أمس، وبحثا خلاله الوضع في لبنان، ودعا ماكرون إيران الى المساعدة في حلّ الأزمة السياسية اللبنانية، حسب بيان صادر عن مكتب الرئاسة الإيرانية.