يقولها “حزب الله” بلا مواربة: متمسّكون برئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، كي لا تكون الحكومة من لون واحد، ولا نريد الذهاب إلى حكومة مواجهة. مفارقة ملفتة في توقيتها، لا في مضمونها.
إذ منذ أن قدّم الحريري استقالته على حين غفلة، تاركاً شركاءه الحكوميين تائهين في متاهة الحراك الشعبي يبحثون عن طوق نجاة يقيهم الغرق في وحول الأزمة المالية، يتصرّف “الحزب” على أساس أنّ الحريري، أو من يمثله ويغطيه، هو رئيس الحكومة “المفضّل” لديه.
تجاوز “الحزب” كل صراعات المرحلة الماضية مع “الحريرية” السياسية، وكل الخلافات التي جعلت منهما خصمين شرسين، ليغلّب منطق التفاهم مع السني الأقوى على ما عداه من السيناريوات المحتملة، لا سيما تلك التي يجنح إليها رئيس الجمهورية ميشال عون من خلال التنقيح في لائحة المرشحين السنيين لتبوّء المنصب الأول لدى الطائفة، و”استدعاء” أبرز وجوهها.
وسبق لرئيس مجلس النواب نبيه بري أن وضع “لبن العصفور” على طاولة رئيس “تيار المستقبل” فقط من أجل ترغيبه بفوائد العودة إلى السراي الحكومي في هذه اللحظات الصعبة، التي يخشى فيها الثنائي الشيعي من الأعظم الآتي على متن التسونامي المالي الجارف. ولهذا هو مكره، لا بطل في التمسك بالحريري.
لا بل أكثر من ذلك، هو يعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال شريكاً في المسؤولية عما آلت إليه أوضاع البلاد، وبالتالي لن يقبل بأن يدير الرجل ظهره وكأنه غير معني بما حصل أو سيحصل، تحت عنوان أنّ تحرك 17 تشرين الأول فرض قواعد جديدة وشكّل انقلاباً لا يمكن تجاوزه.
اللافت في كل ما تقدّم، أنّ “حزب الله” يعيد تأكيد ما هو مؤكد بالنسبة له، في اللحظة نفسها التي يحاول خلالها المهندس سمير الخطيب تدوير الزوايا من خلال لقاءات مكوكية بين المقار الرسمية، حيث سُجّل له لقاء مساء يوم السبت مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
قمة المفارقة تكمن في تضارب المناخات المحيطة بالمشاورات الحكومية: ثمة من يصرّ على احاطة حركة الخطيب بكثير من الأجواء المتفائلة التي يُراد منها أن ترخي الطمأنينة على مصيرها وأن تشي بأنّ ولادة الحكومة باتت على قاب قوسين.
في المقابل، تزيد تصريحات مسؤولي “حزب الله” من ثبات معادلة “الحريري أو لا أحد”، على نحو يحوّل كل حراك “المرشح المفترض” لرئاسة الحكومة، أي الخطيب، إلى مجرد مناورة لا تهدف إلا لإحراج الحريري وإظهاره دعمه، للمرشح الثالث لرئاسة الحكومة، على أنّه “خاو” لا يتعدى الدعم اللفظي الذي سرعان ما سيصير ناراً حارقة تلحق الخطيب بقافلة الأسماء المحروقة.
يقول المطلعون على موقف “حزب الله” إنّ كل المؤشرات تدلّ على أنّ الضوء الأخضر الذي يوحي الحريري بأنّه جيّره للخطيب، سرعان ما سيصير أحمر، أسوة بما حصل مع محمد الصفدي وبهيج طبارة، لسبب جوهري، يلخصه المطلعون على الشكل الآتي: الحريري لم يخرج من الحكومة لكي يبقى خارجها، وإنما ليعود إليها على صهوة الانقلاب في موازين القوى التي يعتقد الحريري أنّ حراك الشارع فرضه.
في جعبة المطلعين الكثير من الأدلة الحسية التي تثبت أنّ الحريري لم “يزهد” بالكرسي “الثالثة” كما حاول الايحاء من خلال بيانه المكتوب: أولها مثلاً ما أدلى به النائب سمير الجسر الذي اعتبر بشكل واضح لا لبس فيه أن “لكتلة “المستقبل” مرشّحاً واحداً هو رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري”. ثانيها، ما حصل مع كل من الصفدي وطبارة. وثالثها بيان الحريري “التوضيحي الاستلحاقي” الذي يشير فيه إلى أنّه “مع احترامه لجميع الأسماء المطروحة، فإنّ خيار الرئيس الحريري سيتحدد مع الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة ويعلن في بيان صادر عنه”.
وفق هؤلاء، جلّ ما يفعله الحريري في هذه المرحلة الفاصلة، هو تحسين شروطه لا أكثر للعودة إلى رئاسة الحكومة من موقع أقوى يمكّنه من تغيير قواعد الحكومة وتوازناتها لاعتقاده أنّه قادر على تجيير حراك الشارع لمصلحته.
ويضيف المطلعون على سلّة المؤشرات المذكورة أعلاه، رزمة معطيات وضعت على طاولة “حزب الله” تؤكد أنّ الحريري لم يستقل من تلقاء نفسه وإنما نتيجة ضغوطات خارجية فرضت عليه هذا الخيار الذي قُرن بوعد العودة إلى السراي ولكن بعد تعديل موازين القوى نتيجة الزلزال الشعبي.
ولهذا يسود الاعتقاد لدى مسؤولي “حزب الله” أنّ الحريري يمارس كل أساليب المناورة لتحسين شروطه لا أكثر وللعودة بقوّة إلى رئاسة الحكومة لتنفيذ مشاريع سياسية واقتصادية واستثمارية، خصوصاً وأنّ بقاء رئيس “تيار المستقبل” خارج جنة السلطة في المرحلة المقبلة قد يحيله إلى التقاعد السياسي المبكر.
بهذا المعنى، يعتقد المطلعون على موقف “حزب الله” أنّ الحراك الذي يشهده المشهد الحكومي راهناً، لا يشي بجديّة من جانب الفريق المستقبلي، ولا يوحي بأنّ قطار التكليف قد انطلق على الرغم من المحاولات التي يقودها الخطيب.
وينهي هؤلاء بالتأكيد أنّ ساعة الانطلاق الحقيقية مرتبطة بلحظة دخول الحريري شريكاً جدياً بعملية تأليف حكومة تكنوسياسية تعيد الانتظام العام إلى المؤسسات الدستورية. وقد جاء تأكيد محمد رعد حول أنّ المدخل الطبيعي لحل الأزمة، هو “بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وفق صيغة اتفاق الطائف، وغير هذا سيبقى البلد في ظل حكومة تصريف أعمال”، ليرسم وجهة نظر “حزب الله” تجاه الحكومة. أما ما يحكى عن ضرب موازين القوى عرض الحائط، فلا أثر له في حسابات “حزب الله” كما يقول المطلعون الذين يؤكدون أنّ “الحزب” لن يقبل أبداً بفرض انقلاب سياسي على الحكومة العتيدة.