تطبيق العدالة يساهم بالحفاظ على السلم الأهلي ويمنع تكرار جرائم الاغتيال السياسي
تلفظ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اليوم حكمها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعد مسار طويل ومعقد امتد لسنوات طويلة، كانت المحكمة خلاله موضع تجاذب وتشكيك متواصل من قبل «حزب الله» الذي حاول منذ البداية منع قيام هذه المحكمة، ثم مارس كل أنواع الضغوطات ووضع ما يلزم من عراقيل لمنعها من القيام بالتحقيقات الميدانية لكشف ملابسات هذه الجريمة وشن حملة شعواء ومتواصلة لتشويه سمعتها وضرب صدقية احكامها.
استطاعت المحكمة برغم كل العراقيل والصعوبات من إتمام مهماتها، وسيشكل الحكم الذي ستلفظه حداً لهذا المسار، ويفتح مرحلة جديدة سيكون عنوانها ملاحقة المجرمين وتطبيق العدالة بحقهم حفاظاً على السلم الأهلي ومنع تكرار مثل هذه الجرائم الإرهابية.
لن يُشكّل مضمون الحكم الذي ستلفظه المحكمة مفاجأة غير متوقعة للبنانيين الذين ينتظرون بفارغ الصبر، لا سيما منهم الذين ثاروا ضد هذه الجريمة الإرهابية، بعدما كشف القرار الظني الذي صدر عن المحكمة قبل مُـدّة، عن وقائع وتسلسل ارتكابها وحدد أسماء ومواصفات ودور وانتماءات المشتبه فيهم إلى «حزب الله»، ولكن لفظ الحكم سيدين المرتكبين نهائياً ويسلط الضوء على مزيد من التفاصيل ويكشف العديد من الخبايا التي لم ترد في ثنايا القرار الظني وهو ما لم يكن معلوماً من قبل، ولا سيما لجهة خلفيات ارتكاب هذه الجريمة والأهداف المتوخاة منها.
الحكم انتظره اللبنانيون بفارغ الصبر وسيكون الأوّل الذي يصدر عن محكمة ذات طابع دولي تلاحق وتكشف وتدين مرتكبي جريمة اغتيال سياسي على هذا المستوى
فهذا الحكم الذي انتظره اللبنانيون بفارغ الصبر، سيكون الأوّل الذي يصدر عن محكمة ذات طابع دولي، تلاحق وتكشف وتدين مرتكبي جريمة اغتيال سياسي على هذا المستوى بعدما كانت كل الجرائم التي ترتكب في الماضي تطمس معالمها أو تطوى تحت ضغوطات التخويف والترهيب والقتل وبالتالي يفلت مرتكبوها من العقاب والملاحقة.
ولذلك، لن تفلح كل محاولات تسخيف حكم المحكمة الدولية بهذه الجريمة أو التقليل من أهميته في إخفاء مفاعيل وتداعيات هذا الحكم حالياً ومستقبلاً على المدانين المنتمين لحزب الله وعلى الحزب نفسه، لأن إدانة هؤلاء تشكّل إدانة مباشرة وغير مباشرة للحزب بالرغم من حصر إدانة الحكم الصادر بهم شخصياً، لأن وقائع ارتكاب هذه الجريمة كما تسلسلت استناداً للقرار الظني تدل بوضوح على التحضيرات والتجهيزات لتنفيذها لا يمكن ان تحصل على نطاق فردي ومحصور وإنما تتطلب قراراً على مستوى القيادة لا يمكن انكاره أو الهروب منه.
فصدور حكم المحكمة الدولية استناداً إلى القرار الظني وإدانة عناصر من «حزب الله» بارتكاب هذه الجريمة سيثقل الحزب بتبعاته وتداعياته بالداخل والخارج، لا سيما إذا استمر باخفاء المدانين عن الملاحقة تحت أي سبب أو حجة كانت، وسيزيد من تبدل النظرة للحزب، من حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي في السابق، إلى حزب أو ميليشيا تمتهن الاغتيال السياسي لتحقيق أهدافها السياسية وغيرها ولا سيما ما تكشف بعد جريمة الاغتيال من نوايا مبيتة وخطط مرسومة تنفذ لصالح مشروع الهيمنة والتمدد والسيطرة الإيرانية، ليس على لبنان وحده، بل على دول عربية عديدة مجاورة، انطبعت فيها بصمات وممارسات «حزب الله» بالقتل والاغتيال والتدمير وتهجير مواطنيها، كما حصل في سوريا والعراق واليمن وغيرها.
ليس صحيحاً على الإطلاق ما يقوله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بأن الحكم الذي ستلفظه المحكمة الدولية لا قيمة له من منظوره كما ردد مراراً في اطلالاته الإعلامية، لأن هذا الحكم يصدر عن محكمة دولية وافقت على إنشائها وتمويلها دول كبرى حليفة للحزب ولراعيته إيران، وهي دول ستكون ملزمة بتنفيذ تبعات ومترتبات هذا الحكم استناداً إلى نظام إنشاء المحكمة. لن تقتصر مفاعيل ونتائج حكم المحكمة الدولية عند حدود ضيقة، بالرغم من كل محاولات استيعاب وحصر تداعياتها في نطاق معين، بل سيكون الحكم حاضراً في علاقات الحزب مع كل الأطراف اللبنانيين، وبعضهم تراوده شكوك في مسؤولية الحزب عن اغتيال العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مهما تفنن الحزب في طمس واخفاء الادلة الجرمية بحق المرتكبين كما يفعل باستمرار للتهرب من الملاحقة والمثول امام العدالة.
إدانة المرتكبين وتسميتهم بأسمائهم في حيثيات الحكم المرتقب صدوره، ستثقل بيئة هؤلاء وعلاقاتهم مع الجوار ومع الآخرين، وتنعكس سلباً على عائلاتهم، مهما حاول الحزب تسخيف الحكم والتهرب من تسليم الجناة، وسيكتشف هؤلاء ان من اغتالوه بطنين من المتفجرات ترك منجزات ومعالم نهضوية بارزة في وطنهم، إن كان في المستشفى الذي يحمل اسمه حالياً ويجاورونه ويتحمل الأعباء الكبرى في معالجة وباء كورونا المستشري أو في المطار الدولي الذي يصل لبنان بالعالم أو بسلسلة الطرق والجسور التي تربط المناطق اللبنانية ببعضها البعض، أو الجامعة الوطنية، والأهم انه عمل في ما في وسعه لتشريع المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في العام 1996 بعد عملية عناقيد الغضب الإسرائيلية ضد لبنان، فهل يكون جزاؤه الاغتيال؟ في حين الذين يقفون وراء هذه الجريمة النكراء ما زالوا يمعنون تدميراً بلبنان.