Site icon IMLebanon

حزب الله وأرجحيّة الدورَين الفرنسي والتركي

 

الحسنة الوحيدة لحريق المرفأ أمس، أنه أعاد تذكير السلطة السياسية والأمنية بأن انفجاراً هائلاً وقع في المرفأ، في الرابع من آب. لأن هذه السلطة ومنذ ذلك التاريخ، لم يعنها من الانفجار عدا عن المساعدات، سوى الاستثمار السياسي. كما أنه مثّل للأطراف التي تضع عينيها دائماً على لبنان مناسبة كي يكون لها فيه موطئ قدم. فتسارعت محاولات الدخول الى بيروت على وقع مبادرات مختلفة الطابع، ومعها دور القوى السياسية في التعامل مع الأزمة السياسية الكبرى، لا مع جريمة المرفأ.

 

منذ الرابع من آب، لحظة سقوط حكومة الرئيس حسان دياب، أصبح حزب الله في مقدم هذه القوى محلياً ودولياً. بين الكلام عن قصف إسرائيلي وعن دور الحزب في المرفأ ونفي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله له، كانت الأنظار موجهة الى الحزب، وكيفية تعامله مع ملف الانفجار وتداعياته السياسية. جاءت لحظة التدخل الفرنسي لمبادرة سياسية حكومية واقتصادية، لتساهم، رغم أن حزب الله لا يحبذ هذه الرواية، في إعادة تعويم واقع الحزب السياسي على الأقل من جانب باريس. وهي قد تعاملت معه، وخصوصاً في زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثانية، على قدم المساواة، وحبة مسك فوقها، مع جميع القوى السياسية الأخرى.

صفقة تسمية الرئيس المكلف مصطفى أديب معنيّ بها الحزب تماماً، كما أن الرئيس سعد الحريري وباريس معنيان بها. فالحزب شرع الباب أمام التسمية، وسط رهان فرنسي، من بعض دوائر الإدارة الفرنسية، لا كلها، على أن الحزب سيسهل التأليف، ولو تحت عنوان حكومة جديدة عنوانها انتظار الانتخابات الأميركية وأفق الأزمة مع إيران.

مع زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس للبنان إسماعيل هنية، انشغلت الأوساط السياسية المناوئة لحزب الله بالكلام عن تهديداته بإطلاق الصواريخ، من لبنان ضد إسرائيل. لكنْ للزيارة جانب يتعلق بعلاقة حماس وهنية نفسه مع حزب الله، وخصوصاً الشق المتعلق بدور المسؤول الفلسطيني الآتي من تركيا ولقائه رئيسها رجب طيب إردوغان، بعد زيارة ماكرون ولقائه حزب الله، وخصوصاً في ضوء رغبة فرنسا بإبعاد شبح التدخل التركي عن شرقي المتوسط. علاقة هنية بتركيا – مظلة الإخوان المسلمين – وعلاقة حزب الله المعارضة لدور تركيا في سوريا، ويفترض أيضاً في لبنان خصوصاً في ضوء تماهي مجموعات تتحرك ضد حزب الله منذ فترة على الأرض معها، ترسم أسئلة عن توقيت الزيارة وما سبقها وما يليها، وما يمكن أن يبنى عليها مستقبلاً، علماً بأن الإعلام التركي المحسوب على إردوغان يحفل بأخبار هنية وعلاقته بتركيا وزياراته لها، وبترحيبه بتحويل آيا صوفيا الى مسجد، وانشغل بزيارته للبنان بجدول أعمال حافل.

 

حزب الله شرع الباب أمام تسمية أديب، وسط رهان دوائر فرنسية على أنه سيسهل التأليف

 

 

صحيح أن زيارة هنية مبنية على وقائع فلسطينية، ولقاءه نصر الله محطة أساسية فيها، في الإطار الإقليمي والإسرائيلي، إلا أنّ لها جانباً متصلاً بتوقيت دولي يتعلق بقبول الحزب بترتيب فرنسي للوضع الداخلي. هذا الأمر قد يكون الرئيس سعد الحريري حاول تخطّيه بعدما أشيع عن احتمال لقائه بهنية، واستعيض عنه بلقاء مع النائبة بهية الحريري. كذلك غابت صورة لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون مع هنية، وهو ما كانت أجواء وفد حماس قد تحدّثت عنه سابقاً، علماً بأن هنية غالباً ما يجري اتصالات بعون، وآخرها معزياً بشهداء انفجار المرفأ.

وسط هذه الصورة المتشابكة إقليمياً، يصبح دور حزب الله محورياً في ترتيبات الساعات الأخيرة المتعلقة بتأليف الحكومة. لأن شد الحبال الإقليمي سيأخذ مداه في الأسابيع والأشهر المقبلة، وهذا ليس عنواناً يطوى بسرعة نتيجة دخول دول عدة متوسطية ودولية على خطه. لكن الترجمة المباشرة له ستكون عبر ساعات التفاوض المقبلة، وإمكان أن يترجم حزب الله، رغم رسالة العقوبات الأميركية باستهداف أقرب حلفائه، تفعيل خطوطه المفتوحة مع فرنسا، بتسهيل سريع لولادة الحكومة، كي لا تذهب الأوضاع نتيجة ضغط عرّابي الرئيس المكلف الى تصفير مرحلة التشكيل والاعتذار، ما يعني عملياً إطلاق النار على المبادرة الفرنسية، فتنشأ حملة دولية مضادة لتلك التي جرت أخيراً. فباريس رمت بثقلها رئاسياً واستخبارياً في لبنان، واقفة على خط توتر نتيجة دور تركيا وأي رصيد جديد يضاف إليه. وفشلها في بيروت سيعيدها الى الوراء بخطوات سريعة، وإذا ما جرى ذلك، بعد العقوبات الأميركية المرجّحة للازدياد، فهذا يعني أن الحزب فقد عنصر مساعدة أساسياً. في حين أن العكس يجعله لا يفرّط بورقة فرنسية، قادر على الإفادة منها في إطار التضييق الأوروبي عليه، ولا يقطع في الوقت نفسه ترتيبات إقليمية جديدة على المدى المتوسط يحاول من خلالها المفاضلة بين أدوار إقليمية بحيثيات لبنانية لا سورية، ما يفترض من الحزب حرصاً زائداً على العناية بخطواته حكومياً، فلا تأتي ناقصة في المعيار الفرنسي، في هذا التوقيت، بعد خطوة هنية. إلا إذا كان ما جرى في الأسابيع الأخيرة مجرد عملية استطلاعية من جانب الحزب، خارجة عن السيناريو الأساسي بعدم التراخي قبل الانتخابات الأميركية.