ليس وارداً لدى «حزب الله» في هذه المرحلة والظروف، أن يجلس جانباً في لبنان، و»يُسلّم البلد» من دون التدخل. فهو لمس من خلال مسار تأليف الحكومة محاولة «عزل واستهداف». كذلك إنّ المحور الإيراني في المنطقة يُمنى بخسارات ونكسات جرّاء اتفاقات الصلح والسلام التي تُبرم بين دول عربية وإسرائيل برعاية أميركية، فضلاً عن الكباش الأميركي ـ الإيراني الذي يزداد حدة وضغطاً، حيث تسعى ايران الى الصمود وعدم التنازل أو التراجع، مراهنةً على تغيير في الإدارة الأميركية في تشرين الثاني المقبل.
على رغم من التزام «حزب الله» المبادرة الفرنسية وتسهيل ولادة الحكومة العتيدة، إلّا أنّه لن يرضى بتأليف حكومة يشعر أنها قد تستهدفه أو تؤثر على موقعه ومصالحه وتزيد من الضغوط عليه.
وبعد الحديث عن ليونة في مسار التأليف، رفع «حزب الله» سقف طلباته الوزارية، حاسماً موقفه علناً، عبر بيان صادر عن كتلته النيابية «الوفاء للمقاومة»، التي أكّدت الموقف الذي عرضه رئيسها النائب محمد رعد لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومفاده، رفض «الحزب» أن يسمّي أحد عنه الوزراء الذين ينبغي أن يمثّلوه في الحكومة، كذلك رفض أن يضع أحد حظراً على تَسلُّم المكوّن الذي ينتمي إليه حقيبة وزارية ما، وحقيبة وزارة المال خصوصاً. وأشارت الكتلة في بيانها الى سَعي أميركي لعرقلة تأليف الحكومة والى استقواء البعض ممّن يؤلفون الحكومة في الظل في الخارج لتأليف حكومة مزوّرة التمثيل.
إلّا أنّ «الحزب» لا يعتبر أنّه يعرقل المبادرة الفرنسية أو أنّه أخَلّ بالتزامه، إذ إنّ الإتفاق مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كان يقضي بأن لا يُسمّي الجميع وزراء له في الحكومة. وبالتالي لمس «الحزب» أنّ هناك مسعى لاستهدافه، إذ تبيّن له بالمعطيات والأسماء أنّ هناك من يؤلّف الحكومة ويُسمّي وزراءها، ويفرض عدم التشاور مع الكتل النيابية الأخرى، بحسب مصادر قريبة من «حزب الله» التي تؤكد أنّ «الحزب» يملك معلومات أكيدة أنّ رؤساء الحكومات السابقين، وتحديداً منهم سعد الحريري وفؤاد السنيورة، يؤلفان الحكومة.
كذلك تشير الى عملية التأليف التي تجري بطريقة غير واقعية، وتوحي بدورها بالتفرّد والاستهداف، إذ في كلّ بلدان العالم حيث تكون هناك أكثرية موجودة في البرلمان يحصل تنسيق معها في عملية استيلاد الحكومة، حتى لو كان غير مباشر، انطلاقاً من أنّ هذه الحكومة يجب أن تحظى بثقة مجلس النواب، ولا يُمكن تأليف حكومة ضد أكثرية معينة والتوقع أن تنال ثقة المجلس. إنطلاقاً من ذلك، يرى «الحزب» أنّ «هناك غاية في نفس يعقوب»، وهي تأليف حكومة أمر واقع تسقط في مجلس النواب وتصبح حكومة تصريف أعمال، وفق المسار الدستوري، وبالتالي أن «يأخذ هذا الطرف البلد».
وبالتالي، حين بدأ «الحزب» يلمس أنّ هناك أيدٍ خفية تؤلف الحكومة، قرّر أن يتدخّل، فتدرّج تعاطيه مع عملية استيلاد الحكومة المُكلّف الدكتور مصطفى أديب تأليفها، من المرونة الى التصعيد. وتشير المصادر المطلعة على موقف «الحزب»، أنّه لم يكن متمسّكاً بتسمية أي وزير، لا في وزارة المال ولا غيرها، بل كان يهدف الى أن يكون اسم وزير المال أو وزراء من «المكوّن الذي ينتمي إليه»، بالتشاور والتوافق معه، مؤكدةً أنّ الفرنسيين وافقوا على هذا الأمر، وبدوره وافق الحريري على ذلك وأبلغَ موقفه هذا الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلّا أنّه تراجع لاحقاً عن هذا الموقف، لا بل رفع سقف «التَعنّت» باعتباره أنّ وزارة المال غير مخصّصة للشيعة.
من هنا، اعتبر «الحزب» أنّ هناك تدخّلاً سعودياً وأميركياً بحسب ما أشارت كتلة «الوفاء للمقاومة» في بيانها، ولذلك أصدرت بياناً قاسياً ورفعت السقف. ويرفض «الحزب» اعتبار أنّه من يعرقل تأليف الحكومة أو يضع العقبات أمام ولادتها لأهداف ومصالح خاصة بعيداً من المصلحة الوطنية التي تقتضي تأليف «حكومة مهمة وثقة» تخرج البلد من نفق الإنهيار. وتشير مصادر قريبة من «الحزب» الى أنّه لم يشكّل في أي مرة عقبة ليحظى بوزارات معينة، بل كان دائماً مسهّلاً ومضحياً ويحظى بأقل الحصص في الوزارات، ولم يتولَّ مرة وزارة سيادية. إلّا أنّ «الانقلاب» على الاتفاق والمبادرة الفرنسية دَفعه الى هذا «التشبّث»، وقد أبلغ الى الفرنسيين ذلك وأنّه شعر بأنّ هناك «غشاً» في تنفيذ هذه المبادرة.
وما عزّز شعور «حزب الله» بالاستهداف، أنّ الرئيس المكلّف كان يُبدي مرونة، إلّا أنّ «مؤلّفي الظل» هم من وضعوا العراقيل، فلا يُمكن أن يقبل «الحزب» أن «يُسمّي الآخرين وزراءه، لا الحريري ولا السنيورة ولا غيرهما، فهذا الأمر غير منطقي وغير واقعي».
بعد هذا المسار وبيان «الوفاء للمقاومة»، لم يعد هناك مجال للتفاوض على وزارة المال، التي يتمسّك بها «الثنائي الشيعي»، لكن على رغم البيان العالي النبرة، تفيد معلومات أنّ «الحزب» قد يُبدي مرونة لجهة اسم الوزير، أي أن يقبل بالتشاور والتوافق على هذا الاسم، فهو مع حكومة برئاسة أديب يوافق عليها الجميع. وما عدا ذلك، بين أن تُصرّف حكومة دياب الأعمال أو «حكومة ضده تصرف الأعمال»، بالتأكيد إنّ «حزب الله» يفضّل الأولى.
وعلى رغم من تأكيد أكثر من مرجع دستوري وشخصيات شاركت في صوغ «اتفاق الطائف» أنّه لم يُتّفق على تخصيص وزارة المال للطائفة الشيعية، وأنّ خلوّ الدستور أو وثيقة الوفاق الوطني من هذا النص دليل على ذلك، ما زال «الثنائي الشيعي» مصرّاً على أنّ وزارة المال منذ «اتفاق الطائف» وبحسب محاضره مخصصة للشيعة عرفاً، حتى لو حصلت استثناءات منذ أوائل التسعينات حتى الآن، وحتى لو كان غالبية وزراء المال المتعاقبين من خارج الطائفة الشيعية، إذ إنّ هذه الاستثناءات، بحسب «الثنائي»، جرت ضمن تسويات معينة.
ويستند «حزب الله» الى تصريحات رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني الذي يُعتبر «أب الطائف وحارسه»، وكلامه عن أنّه كما لم يؤتَ على ذكر طائفة الرؤساء الثلاثة في الدستور، كذلك لم يؤتَ على تحديد طائفة وزير المال، إلّا أنّه حفاظاً على الميثاقية في التوقيع في السلطة التنفيذية وهي منفصلة عن السلطة التشريعية، تم الاتفاق على أن يكون وزير المال شيعياً.
أمّا عن رفض «الحزب» المداورة والتخلّي عن وزارة المال مقابل حقيبة وزارة الداخلية السيادية بدورها، فتشير مصادر قريبة من «الحزب» الى أنّ هذه المداورة لم تُطرح، وعلى رغم ذلك إنّ «الثنائي الشيعي» يتمسّك بوزارة المال حصراً إنطلاقاً من التمسّك بـ«التوقيع الشيعي» على المراسيم. لذلك، لا يرى «الحزب» أنّ تمسّكه وحركة «أمل» بهذه الوزارة يفتح الباب أمام الأفرقاء الآخرين للتمسك بوزارات معينة، إذ إنّ هذا التمسك لا ينطلق من هدف الحصص بل من «المشاركة الميثاقية» المحصورة في هذه الوزارة فقط.