Site icon IMLebanon

عقارب “جهنم” تعود بـ”حزب الله” إلى ما قبل 2006

 

لم تكد تمرّ دقائق على انتهاء الكلمة المتلفزة التي ألقاها رئيس الجمهورية ميشال عون، حتى كان “هاشتاغ” جهنم الأكثر تداولاً بين المغرّدين اللبنانيين. هذا يعني أنّ الجمهور المتابع لم ينصت إلى المبادرة التي قدمها رئيس الجمهورية في محاولة لاختراق الجمود الحاصل، ولم ينتبه إلّا إلى النهاية الوخيمة التي تنتظر اللبنانيين، فيما لو أضاع مسؤولوهم فرصة الانخراط الفرنسي لحلّ الأزمة الحكومية المستعصية، وما بعدها من أزمات ضاغطة.

 

فعلاً هي أشبه بنار جهنم التي تتوعد اللبنانيين في هذه الأيام، فيما لو بقيت القوى السياسية عند عنادها وتصلّبها بشكل يصعّب الحلول، طالما أنّها على قاعدة غالب ومغلوب كما قال عون في كلمته، خصوصاً وأنّ الأزمة المالية – الاقتصادية بلغت أمتارها الأخيرة فيما احتياطي مصرف لبنان يلفظ أنفاسه الأخيرة، قبل رفع يديّ رياض سلامة استسلاماً والتوقف بالتالي عن دعم المواد الأساسية من قمح ودواء ونفط.

 

ومع ذلك، ترفض القوى السياسية النزول عن شجرة تصعيدها، وتدير ظهرها للبركان الاجتماعي الآخذ في الاشتعال والمعرّض للانفجار في أي لحظة، وسط توتر اقليمي شديد الخطورة قد ينذر بما هو أسوأ، ويضيّق الهامش المتاح أمام الادارة الفرنسية لتدوير الزوايا والبحث عن مساحة تكفي لفرض تفاهمات موضعية من شأنها أن تضع قطار المعالجة على سكته.

 

وسط هذا الازدحام في التوتر والفوضى والخلافات، يواظب رئيس الجمهورية على اعتماد سياسة التمايز عن شريكه في تفاهم مار مخايل، تحت عنوان البحث عن مخرج لأزمة المداورة مقابل تمسك الثنائي الشيعي بحقيبة المال، تقدم الرئاسة الأولى طرحها على أساس “إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سميت بالسيادية وعدم تخصيصها لطوائف محددة”. هذا هو جوهر الاقتراح الذي رفعه الرئيس عون بعد ثلاثة أسابيع من المراوحة في اتصالات التأليف.

 

هذا الهدف بالذات كان في صلب لقاءات التشاور التي عقدها رئيس الجمهورية مع الكتل النيابية خلال الأسبوع الماضي، حيث حرص الرئيس ميشال عون على توجيه سؤال محدد إلى ضيوفه حول موقفهم من المداورة، لتخرج الرئاسة الأولى بعد تلك الجولة بخلاصة واحدة: كل الكتل النيابية تؤيد المداورة إلا الثنائي الشيعي.

 

بدا في تلك اللحظة أنّ رئيس الجمهورية يميل إلى اقتناص فرصة الخلاف الحاد الحاصل بين الثنائي وبين نادي رؤساء الحكومات السابقين حول المداورة، لاقتراح طرح توفيقي بينهما، من خلال اسناد حقيبة الحقائب لصالح وزير مسيحي يزكّيه رئيس الجمهورية. وبذلك يضرب عصفورين بحجر واحد: يستحصل على حقيبة “المال” الأمر الذي لم يتوفر له طوال سنوات مشاركته في السلطة التنفيذية، ويلتزم أجندة ابعاد هذه الحقيبة عن الثنائي الشيعي من خلال الضمانة التي يقدمها بنفسه.

 

وفق منظور بعبدا، هذا الطرح هو من باب نزع فتيل الخلاف بين الفريقين الخصمين من خلال طرح الرئاسة نفسها كضمانة للثنائي الشيعي بالدرجة الأولى، وتكريس المداورة التي يرفض الفريق الآخر التنازل عنها، بعدما صارت المداورة عقدة في خشبة الحكومة، ولو أنّ الجميع يتعاطى مع المسألة الحكومية على أنّ حلها يحتاج إلى تسهيل خارجي يسحب فتيل التفجير الداخلي.

 

ولكن وفق مراقبي سلوك الفريق العوني، فإنّ المسافة الفاصلة التي يتخذها الرئيس عون ومعه “التيار الوطني الحر” من الثنائي الشيعي، وتحديداً من “حزب الله”، لا يمكن النظر إليها الا بعين العقوبات التي تطلّ برأسها والتي قد لا ترحم الفريق العوني من قوائمها السوداء.

 

لكنها وفق توصيفات “حزب الله” فإن الصراع الحاصل لا يختصر بمعركة حقائب وإنما هو أشبه بانقلاب يُراد منه اخراج الثنائي الشيعي من السلطة التنفيذية، وهي بالتالي معركة وجودية لا تقلّ قساوة بنظر هذا الفريق عن “حرب تموز”، خصوصاً وأنّ ما تسرب من لقاءات رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، يظهر وكأنّ أياً من الحقائب السيادية قد لا تكون صالحة للثنائي الشيعي في هذه الظروف الصعبة!

 

وعليه، يتبيّن أنّ “حزب الله” يتعامل مع الظروف الحالية وكأنّ عقارب الساعة عادت إلى الوراء، إلى ما قبل 2006، وتحديداً قبيل توقيع تفاهمه مع “التيار الوطني الحر” حين لم يكن له حليف الا شريكه الشيعي. وهذه حال واقعه في الوقت الراهن، ولو أنّ رئيس الجمهورية يحرص على عدم تخطي سقوف التحالف الاستراتيجي ويعرف جيداً حدود اللعبة، كأن يرفض مثلاً التوقيع على تشكيلة حكومية مرفوضة من الثنائي الشيعي، مقابل حرص “حزب الله” على ترك هامش المناورة متاحاً أمام حليفه المسيحي، لا سيما في ضوء الضغوطات التي يتعرض لها ولو على نحو غير مباشر.

 

ومع ذلك، الأرجح أنّ “حزب الله” كان يفضل لو أنّ “التيار الوطني الحر” اصطف إلى جانبه في هذه المعركة أسوة بما فعل خلال حرب تموز، مع أنّ الظروف مختلفة جداً ولا يمكن اسقاطها على يومنا هذا. ولكن بالنتيجة، لو خيّر “حزب الله” بين السيناريوين، لاختار الأول أكيد. لكن الظروف الصعبة التي وضعت “التيار الوطني الحر” بين مطرقة “جهنم” وسندان “العقوبات”، دفعت به مسافات بعيدة عن “حزب الله”. وهذا ما تريده الادارة الأميركية منذ سنوات.