Site icon IMLebanon

حدود الإتفاق والخلاف بين «الحزب» و«التيار»

 

ليست المرة الأولى التي يتمايز فيها موقف «التيار الوطني الحر» عن موقف «حزب الله»، ولن تكون الأخيرة، ولا مؤشرات لغاية اللحظة بأنّ التيار على استعداد لفك ارتباطه مع الحزب.

حاول رئيس الجمهورية الظهور بمظهر من يمسك العصا من وسطها وانه على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، فتقاطَع مع «حزب الله» في دور الكتل النيابية بتسمية الوزراء، لا سيما انه معني مباشرة بهذا الجانب ويرفض التخلي عن دوره في تسمية الوزراء المسيحيين أقله، وتعارض معه في مسألة تخصيص وزارة لطائفة مؤكداً انّ هذا التخصيص لا يلحظه الدستور إطلاقاً.

 

فالتمايُز ضمن هذه الحدود لا يبنى عليه، خاصة انه بقي ضمن إطار الموقف السياسي ولم يترجم بدعوة الرئيس المكلف إلى تقديم تشكيلته وإعلان رئيس الجمهورية استعداده التوقيع عليها على رغم تمسّكه بحق الكتل بتسمية الوزراء، لأنّ المصير «الجهنمي» يحتِّم عليه تجاوز كل الاعتبارات الشخصية والتحالفية، فلو سَلك الرئيس هذا التوجّه مثلاً لكان من دون شك أربَك الثنائي الشيعي لأنه كان سيضعهما أمام خيارين ليسا في مصلحتيهما: إقفال مجلس النواب في لحظة انهيارية ولبنان تحت المجهر الدولي والفرنسي تحديداً، أو نيل الحكومة الثقة على رغم حجبهما هذه الثقة.

 

ومن عادات الحزب أن يتفهّم حاجة حلفائه إلى التمايز لضرورات محلية شعبية أو خارجية، وما ينطبق على العهد انسحب على سنّة المعارضة الذين يؤيّدون خيار الحزب الاستراتيجي، ولكن أي تأييد من قبلهم لتكريس عرف جديد في المالية ينعكس سلباً على وضعيتهم داخل البيئة السنية المتشددة على هذا المستوى، الأمر الذي يتفهّمه الحزب الذي لا ضَير لديه من خوض معاركه السياسية بسلاح الفيتو المذهبي في حال تعذّر عليه خوضها بسلاح الثلث المعطّل او الأكثرية.

 

وأكثر ما يدلّل على سطحية التمايز إقرار الرئيس عون انّ إجهاض المبادرة الفرنسية سيدفع لبنان إلى «جهنّم»، وبمعنى آخر نهاية عهده، فإذا كان الرئيس لم يلجأ إلى خطوة عملية في أسوأ ما يمكن تصوّره وتجنّبه، أي «جهنّم»، تلافياً لإغضاب الحزب، فهذا يعني أن لا أولوية تعلو على أولوية علاقته مع الحزب الذي يتفهّم حاجة حليفه للمبادرة الفرنسية، كما حاجته للعلاقة الدافئة مع الرئيس الفرنسي وإبعاد أي تهمة عنه بالعرقلة والتعطيل، وهذا ما يفسّر موقف عون الذي وضع نفسه على مسافة واحدة من الجميع، فلم يتبنّ عمداً أيّ وجهة نظر بشكل كامل تلافياً لخطوة عملية تضعه في موقع تناقضي مع الحزب وخلافِيّ.

 

وفي موازاة المبادرة الفرنسية وحاجة العهد لها كحياة أو موت، فإنّ العقوبات الأميركية التي سقطت بشكل مفاجئ على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وَلّدت نقزة لدى فريق رئيس الجمهورية، وهذا ما استدعى أيضاً المؤتمر الصحافي للنائب جبران باسيل الذي سجّل نقاط تمايز عدة مع «حزب الله» تبدأ من قتاله في سوريا، ولا تنتهي بزيارة إسماعيل هنية، وما بينهما رفضه للمثالثة وغيرها من المواقف التي يتفهّمها الحزب أيضاً كرسائل إلى واشنطن تؤدي إلى حماية حليفه.

 

فعلى رغم انّ العقل المحرِّك لـ«حزب الله» هو أمني وعسكري قبل ان يكون سياسياً، إلّا انه عقل براغماتي ينظر إلى مصلحته قبل اي شيء آخر، بمعنى إذا كان تمايز حليفه عنه يخدم هذا الحليف طالما لم يمس بالخط الاستراتيجي، فلا مانع لديه، الأمر الذي يجعل من هذا التمايز نوعاً من توزيع أدوار لا أكثر ولا أقل.

 

والتمايز الحكومي ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، وكان باسيل قد سجّل في محطات عدة انتقاده لـ«حزب الله» من زاوية عدم التزامه بالشق الإصلاحي في ورقة التفاهم، كما انّ العلاقة المميزة التي جمعت باسيل بالرئيس سعد الحريري جعلت الحزب يرتاب. وبالتالي، المقصود انّ التباين كان موجوداً على طول الخط، يكبر حيناً ويصغر أحياناً، ولكن في كل الأوقات تحت السقف الاستراتيجي للحزب، وطالما هو كذلك لا مشكلة للفريق الأخير لأنّ أولويته تتمثّل بسلاحه، وكل تباين ما دون المطالبة بنزع هذا السلاح اليوم قبل الغد لا يتوقف عنده.

 

فالصراع المندلع منذ العام 2005 إلى اليوم يتمحور حول دور «حزب الله» وسلاحه تحديداً، بين من يدعم بقاء هذا السلاح بحجّة المقاومة والصراع مع إسرائيل وعدم قدرة الجيش اللبناني على المواجهة والاتفاق على الاستراتيجية الدفاعية، وبين من يدعو لنزعه ويعتبره ميليشيا كان يجب ان يُنزع سلاحها منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وانّ الاحتلال السوري حال دون ذلك، وانّ قيام الدولة غير ممكن في حال استمر هذا السلاح.

 

وما تقدّم هو جوهر الانقسام العمودي بين اللبنانيين منذ خروج الجيش السوري من لبنان، وفي ظل هذا الانقسام يقف العهد ومعه «التيار الحر» في موقع الداعم لاستمرار هذا السلاح إلى درجة انّ الرئيس عون كان باستطاعته أن يوزِّع الأدوار بينه وبين باسيل بالاتفاق مع الحزب بأنه في موقعه الرئاسي لا يستطيع تبرير استمرار هذا السلاح، ولكنه لم يأبه لذلك، وبالتالي معيار التمايز او الخلاف بين الحزب والتيار لا يكون في اليوميات السياسية وحتى في الاستحقاقات الحكومية وغيرها، لأنّ لكل فريق مصالحه التي يريد تأمينها وتخدم سياساته ورؤيته وشعبيته، إنما الخلاف الفعلي يكون من خلال تبديل «التيار الحر» لتَموضعه الوطني من مؤيّد للسلاح بحجج مختلفة إلى رافض لهذا السلاح تحت أي حجّة، وطالما انّ التيار لم يصل إلى هذا الحد والمستوى والسقف، فهذا يعني أنّ تمايزه إمّا متفق عليه، وإمّا ضمن الهامش الذي لا يقيم له الحزب وزناً.

 

وأما الأسباب الكامنة وراء تمسّك العهد و»التيار الوطني الحر» بالعلاقة مع «حزب الله» فيمكن وضعها ضمن سلة رباعية:

 

السبب الأول، لأنّ العهد يفتقد إلى أي حليف سياسي وازن، وفي حال قرر القفز من مركب «حزب الله» فلا ثقة به لدى القوى الأخرى، فضلاً عن انّ الحزب الذي حال دون الانتخابات الرئاسية لسنتين ونصف، يحول اليوم دون إسقاط الرئيس. وبالتالي، هو بحاجة لفريق قوي يحول دون تقصير ولايته في حال تقاطعت القوى السياسية على ذلك.

 

السبب الثاني، لأن «حزب الله» ما زال قوة أساسية على رغم أزمته الخارجية والمحلية، وفي حال انفصَل عنه يفقد ليس فقط كل حظوظه الرئاسية، إنما القدرة على التعطيل من خلال الحزب والتحَكُّم بمسار الانتخابات الرئاسية.

 

السبب الثالث مردّه وفقاً للنظرية «السعيدية» (الدكتور فارس سعيد) انّ «الحزب بيخَوِّف والتيار بيخاف».

 

السبب الرابع يعود لكون الخلفية العميقة لـ«التيار الوطني الحر» أقرب إلى الشيعية الأمنية منها إلى الحالتين السنية والدرزية، وهذا ما يفسّر التوتر الدائم معهما، وما حصل في مطلع العهد الرئاسي كان استثناءً لا قاعدة.

 

فلكل هذه الأسباب وغيرها، إنّ التمايز بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» هو تمايز ضمن البيت الواحد والخط الواحد وتحت السقف الواحد، والكلام عن الخلاف بينهما يبدأ في اللحظة التي يقرر فيها التيار رفع الغطاء عن السلاح والمطالبة بتسليمه إلى الدولة، وهو ليس بهذا الوارد اليوم وحتى إشعار آخر، فيما كل ما عدا ذلك يدخل في إطار التمايز المحسوب أو توزيع الأدوار أو التفهُّم والتفاهم.