منذ تأسيسه، يُتهم «حزب الله» بأنّه يحمل في أجندته فكرة تغيير النظام في لبنان، في انتظار الظرف والوقت المناسبين. واليوم، تكثر في الكواليس همسات عن أنّ الوقت حان لطرح «المؤتمر التأسيسي»، وهو أمر يخيف المكوّنات اللبنانية الأخرى، ويطرح هواجس وجودية وتحديداً لدى المسيحيين، في اعتبار أنّ أي نظام لا يؤمّن المناصفة، سيكون على حساب حضورهم في الدولة، وسيهدّد مصيرهم في لبنانهم. وربما ما كشفه الاعلامي سيمون أبو فاضل منذ أيام، عن محادثة بين أحد نواب الثنائي والرئيس سعد الحريري عن رحيل المسيحيين عن لبنان، خير دليل.
من يراقب خطابه السياسي منذ «الورقة التأسيسية» في شباط 1985، إلى «الوثيقة السياسية» عام 2009، يرى تبدلاً تكتيكياً مرتبطاً بتبدّل الظروف والأوضاع وليس تغييراً في الإيديولوجيا والعقيدة السياسية، بل في الأسلوب واللغة المعتمدتين من خلال تقديم مفاهيم وأفكار جديدة، تتناسب مع التطورات التي طرأت بين تاريخ إطلاق كل من «الرسالة المفتوحة» و»الوثيقة السياسية» (1). والحديث عن شكل الدولة بالنسبة للحزب، «له صلة بالتبدلات التي أصابتها على مرّ الحقبات الزمنية الماضية، لكنّ جوهرها بالنسبة الى الإسلام، هو تطبيق الشريعة الإسلامية على قوانينها كافة. و»حزب الله» يستمد من الدين الإسلامي، بما فيه من تشريعات وفكر وثقافة، رؤيته في شؤون الحياة كافة، سواء كانت شؤوناً سياسية أم اقتصادية أم ثقافية»… *(2). من هنا، «لا يمكن، لأيّ ملتزم إسلامي يحمل العقيدة الإسلامية ويؤمن بشريعتها، إلّا وأن يكون مشروع الدولة الإسلامية أحد التعابير الطبيعية لالتزامه الاسلامي، لكننا نفصل بين الرؤية الفكرية والتطبيق العملي، كما يقول الشيخ نعيم قاسم. فنقول في الرؤية الفكرية إننا ندعو إلى إقامة الدولة الإسلامية… أما على المستوى العملي، فهذا الأمر يتطلّب وجود الأرضية التي تتقبّل إنشاء هذه الدولة، والأرضية هي هذا الشعب الذي من حقه أن يختار ما يريد تحكيمه في حياته»… (3)
فهل باتت الأرضية جاهزة اليوم لطرح المؤتمر التأسيسي؟ وهل تلعب موازين القوة والتبدّل الديموغرافي لمصلحة الطائفة الشيعية دوراً في إنتاج صيغة جديدة تكرّس المثالثة وصولاً الى الدولة الإسلامية؟ وما رأي المفكّرين الموارنة في الموضوع؟
نجم
يؤكّد المفكّر السياسي أنطوان نجم لـ»الجمهورية»، أنّه «لا يمكن القبول بطرح مؤتمر تأسيسي في ظلّ امتلاك «حزب الله» السلاح، لأنّه سيكون ضمن معادلة غالب ومغلوب، وهو أمر مرفوض».
«تاريخياً، يضيف نجم، أي فريق يملك القوة، لكي يعطي لفكرته ونظامه شكلاً دستورياً ومقبولاً، يستخدم قوته وسلاحه وضغوطه، ليجبر الفريق الآخر على القبول بالفكرة، ولو أنّه ضمناً يرفضها، لذا، يجب علينا محاربة فكرة طرح مؤتمر تأسيسي بكل ما أوتينا من قوة، عبر استقطاب العالم الحرّ إلى صفنا. فلبنان منذ التأسيس، كان يعتمد في كل تطوره على العالم الغربي، وأمام عدم التكافؤ الموجود بين المكونات اللبنانية عموماً وبين المسيحيين خصوصاً ومكوّن «حزب الله»، عسكرياً وعددياً، يجب علينا اللجوء إلى العالم الحرّ، وهو حليفنا الطبيعي. لبنان المؤمن بشرعة حقوق الإنسان، وبشرعة الأمم المتحدة، عليه ان يطلب المساندة من الأمم المتحدة لعدم الاستقواء علينا كلبنانيين وكمسيحيين».
«هذا الدور، مناط اليوم ببكركي، في ظلّ السلطة «المدعوسة»، يؤكّد نجم. «وللبطريرك الراعي مسؤولية كبيرة ودور تاريخي يشبه دور البطريرك الياس حويك يجب أن يتحمّله، بوجود طائفة سُنيّة حاضرة للانخراط معه في هذا المشروع. بكركي أنشأت لبنان الكبير، ونحن نؤمن بهذا اللبنان، ولن نقبل بأن يؤخذ منه أي جزء».
ويؤكّد نجم، أن «لا ضرورة في الأساس لطرح مؤتمر تأسيسي، ولو في ظل موازين قوة مختلفة. وما قد نكون في حاجة إليه هو بعض التعديلات الداخلية على الدستور، تحصل بالتوافق في مجلس النواب. أما خطورة المؤتمر التأسيسي، فتكمن في انّ «حزب الله» يعتبر نفسه «مندوب الله» على الأرض، وأي أحكام ستكون بإسم الله، ويتحوّل لبنان إلى ولاية إيرانية». ففي إيران، مثلاً، إرادة الولي الفقيه لا يوقفها الدستور، وهو يستطيع أن يتخذ أيّ قرار ولو كان مخالفاً للدستور، لأنّه يعتبر نفسه انّه يتحدث بإسم الله ويمثله على الأرض، وكذلك الأمر يسري على «حزب الله» في لبنان».
ويرى أنّه «من الخطأ التفكير أنّ موازين القوى هي لمصلحة الحزب اليوم، ولو أنّها لمصلحته، لفرض مؤتمرَه التأسيسي، الذي من خلاله، يسعى لأن يكتسب الشرعية لسلاحه ووجوده، لكنّ هذه الشرعية لن نمنحه إيّاها، ولا التاريخ الماروني يسمح بأن نمنحه إيّاها بأي شكل من الأشكال. في البدء كنا أحراراً، وهكذا سنبقى، ولن نقبل بوليّ فقيه ولا بغيره بأن يتحكّم بمصيرنا».
خليفة
المفكّر السياسي والباحث في الشؤون الجيوبوليتيكية الدكتور نبيل خليفة، الذي يعتبر «أننا في مزرعة وليس في بلد، والفئة الوحيدة التي تحكم فيها هي من تحمل السلاح»، يؤكّد أنّه «لا يمكن طرح اي «مؤتمر تأسيسي» في هذا الظرف. فهذا المؤتمر يتطلّب شروطاً وأسساً، منها التوازن، الحرية، والقدرة على إبداء الرأي والفكر والتفاهم، لا ان يكون السلاح موجّهاً إلى رؤوس اللبنانيين». ويسأل: «وفق أي قواعد يمكن طرح مؤتمر تأسيسي، على أسس صلبة تقوم على العدالة أم وفق إرادة السلاح ومن يملك السلاح»؟ من هنا، أيُّ مؤتمر من هذا النوع، سيؤدي إلى جعل لبنان في ظلّ حكم ولاية الفقيه».
ويوضح خليفة لـ»الجمهورية»، أنّ «لبنان الكبير هو النقيض لاسرائيل الكبرى ولسوريا الكبرى، واليوم لإيران الكبرى، وبالتالي، بوجود النقض والنقيض، فهؤلاء يعتبرون انّ لبنان خطأ كياني، وتصحيح هذا الخطأ بالنسبة اليهم يكون عبر إلغاء لبنان، وهنا تكمن اللعبة». واعتبر أنّ «أيَّ طرح لأيّ نظام جديد يجب ان يكون في الظرف المناسب والمكان المناسب والوقت المناسب»، رافضاً وجود مؤتمر في ظل وجود السلاح.
القزي
ويقول المفكّر والكاتب فايز القزي لـ»الجمهورية»: «المؤتمر التأسيسي موجود في وثائق «حزب الله»، منصوص عليه في وثيقة 16 شباط 1985، أي «الوثيقة التأسيسية»، التي يقول فيها «نحن لسنا حزباً ولسنا أمّة بل نحن جزء من أمّة نشر الله طليعتها في إيران».
وهذه الرسالة، بحسب القزي، قال فيها «حزب الله»: «نحن نؤمن بالدولة الاسلامية وبالنظام الاسلامي، لأنّه افضل نظام للشعوب، إنما لن نفرضه بالقوة، رغم انّ النظام اللبناني سيئ، بل بالاقناع. وهذا لا يُعتبر تراجعاً عن مبدئنا بإنشاء النظام الإسلامي في لبنان، بل قناعتنا أنّه عندما تنضج الظروف السياسية والاجتماعية، وإِنْ عَرَضنا على الشعب اللبناني ان يختار بين أي نظام والنظام الاسلامي فسيختار النظام الاسلامي». هذا هو جوهر المؤتمر التأسيسي يؤكّد القزي، وفي نظر «حزب الله» نضجت الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لفرض هذا النظام». ويضيف: «فقد أصبح الوضع في لبنان مهيئاً، بعدما فرض «حزب الله» سطوته على كل القطاعات في لبنان، من رئاسة الجمهورية الى البرلمان إلى ملئه الفراغات وسيطرته على كل المؤسسات، واعتماد سياسة الترهيب والترغيب والاغتيال لمعارضيه، لذلك، في اعتقادي، بلغنا المرحلة النهائية للإعلان عن سقوط الدولة والنظام في لبنان، وتحويله نظاماً إسلامياً». ويعتبر أنّ «الحلقة ستكتمل بعرض «حزب الله» نظامه على اللبنانيين مقابل أنظمة أخرى، وسيتمكن الحزب من تحقيق هدفه، لأنّه يملك الأكثرية العددية الشعبية والسياسية والسلاح والمال، اضافة الى انّ موازين القوى متوافرة بنحو كامل لمصلحته». وختم: «لبنان انتهى، ويمكن تصنيفه منذ اليوم، ولاية إيرانية».