قبل سنوات قيل لشخصية سياسية: كل الذين في مواقع التحالف او التفاهم او التعاطف مع “حزب الله” هم ركاب قطار يقوده السيد حسن نصرالله. محطات القطار بعد بيروت متعددة وعابرة للخرائط نحو المحطة الأخيرة: طهران. والظروف الملائمة للرحلة تقابلها أحداث متغيرة وتضاريس سياسية معاكسة، بحيث يجد الركاب أنفسهم بين من يريد إكمال الرحلة ومن يريد النزول في دمشق أو بغداد. كان رد الشخصية انها تنزل عند الحدود اللبنانية- السورية. لكن ذلك لم يحدث. ففي المحطات الأولى ربح الركاب بقوة “حزب الله”، سواء في السياسة أو في المال والسلطة. ولا ربح من دون ثمن بالمقابل، أقله الدفاع عن الدور الاقليمي لـ”حزب الله” وسلاحه في “محور الممانعة”. وكل دفاع هو، بطبائع الأمور في الصراعات الجيوسياسية، مشروع صدام مع أميركا ودول اوروبية صديقة ودول عربية شقيقة تقف ضد “محور الممانعة” الذي هو ضدها اصلاً، ويحتاج لبنان الى دعمها ومساعدتها.
والنتيجة عزلة عربية ودولية للبنان دفع ثمنها اللبنانيون، وبقي ركاب القطار يعتبرون انفسهم رابحين. وحين بدأت واشنطن التي تمارس سياسة “الضغط الاقصى” على ايران و”حزب الله” تختار من بين الركاب من تعاقبهم، جاء الرد على الخسارة مزيداً من التحدي والمبالغة في الربح. لكن فرض العقوبات على علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وجبران باسيل كرسائل الى القيادات التي يمثلونها ليست نهاية الكون ولا بداية التاريخ. والمسألة ليست ان يكون العقاب تحت عنوان الفساد والدعم لـ”حزب الله” من حق اميركا او لا يكون، ولا ان تطبق الخزانة الاميركية ما يتحدث عنه أهل السلطة وهو مكافحة الفساد. المسألة هي كيف نحافظ على حق لبنان في ان يكون مستقلاً ويبني دولة واقتصاداً؟
ذلك ان السيد نصرالله يؤكد ان الرد على العقوبات هو “تطوير العلاقات” بين “حزب الله” والتيار الوطني الحر. وهذا طبيعي. لكن ما حدث حتى الآن، في غياب القدرة على معاقبة اميركا او في انتظار “صفقة كبيرة” بين واشنطن وطهران، هو معاقبة اللبنانيين بالامتناع عن تأليف حكومة تخرجهم من الهاوية. والسؤال هو: كيف تكون ترجمة “تطوير العلاقات” عملياً ؟ زيادة اقتراب “حزب الله” من الموقف الاساسي للتيار الوطني الحر أم زيادة اقتراب التيار من استراتيجية الحزب التي هي جزء من استراتيجية “محور الممانعة” بقيادة ايران؟ كيف يمكن ترك اللبنانيين لقدرهم في أخطر تراكم للأزمات من أجل طموحات ومكاسب وحصص؟ وماذا يرث من يتصور انه سيرث لبنان اذا انهار الوطن الصغير وهاجر القادر من شعبه وغرقت السفينة التي يتصارعون على المقاعد فيها؟
كان إيشلوس يقول: “في وقت ما يزول الألم وتأتي منه الحكمة”. لكن المؤسف، ونحن في قمة الألم من الكوارث، أن تغيب الحكمة وتأتي الحماقة.