يعود “حزب الله” إلى عادته القديمة الجديدة في ممارسة مناورات سياسية وقضائية بعدما فرغ من العسكرية. ولعل آخرها لجوء الحزب الى القضاء مرتدياً ثوب “الحمل الوديع” الذي يراهن على المؤسسات لتحصيل حقه، على أساس انه لم يُقدم في أي مرة يُحشر فيها على استخدام سلاحه او فائض قوته. خطوة تبدو غريبة للوهلة الأولى أن “يحتكم” الحزب إلى القضاء لمقاضاة شخصيات ومواقع إعلامية “اتهمته ظلماً” بانفجار المرفأ.
يحمل الخبر مؤشرين يمكن البناء عليهما:
أولاً: لجوء “حزب الله” إلى الدولة وقضائها، وللمرة الأولى في قضايا ترتبط بالاعلام، ليبني صورة تبييضية بأنه ليس “ميليشيا” وأن سلاحه “وما لف لفه” من قوة في الدولة، لا يُستخدم إلا لأغراض “المقاومة”، وأن نسخته اللبنانية لا تشبه النسخة العراقية التي اغتالت هاشم الهاشمي، فقط لأنه كان ينطق بالحق.
ثانياً: تقصّد “حزب الله” ربط أولى الدعاوى بملف “انفجار المرفأ” وليس أي ملف آخر، فالاتهامات التي تطاله كثيرة وملفاته باتت عديدة و”جسمه لبيس”، لكنه بهذه الدعاوى يبدو أنه يريد حشر من تبنى نظرية تورط “حزب الله” بالانفجار، ليثبت للرأي العام أن من يتهمونه لا يملكون الدلائل والبراهين وبالتالي هو بريء من هذا العمل، إذا هي أشبه بتحويل الدعاوى إلى “مشهديات براءة ذمة” للحزب، وتطهير صورته من أي علاقة بالانفجار.
وعلى الرغم من أن “النوايا”، إذا كانت حقيقية، تظهر توجهاً جديداً لـ”حزب الله” ولو بخطوة ضعيفة بأن لا عدالة إلا عبر القانون ومؤسسات الدولة، فانه أوقع نفسه في خطأ استراتيجي سينقلب عليه حكماً. والخطأ ليس في محاولة تبرئة نفسه من انفجار المرفأ، فهذا الأمر تحدده التحقيقات والقضاء، بل كشف عن “ازدواجية” في التعاطي، وأشبه بـ”سقطة” ستفتح عليه ابواب المطالبة بـ”المفعول الرجعي”، بعد كشف حساب طويل لمواقفه تجاه القضاء، ونذكر منها الآتي:
– قضاء دولي: أتت دعاوى “حزب الله” على شخصيات ومواقع إعلامية، قبل أيام من موعد صدور الحكم بحق أحد قيادييه سليم عياش لمشاركته في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ورغم ذلك اعتبر “حزب الله” أن “المحكمة لا تعنيه” وأن المتهمين وبينهم عيّاش “قديسون”. فهذا قضاء دولي لا يعترف به “حزب الله”.
– قضاء محلي: سجّل القضاء المحلي اللبناني سابقة في تحديد المتورطين بتفجيري مسجدي “التقوى والسلام” وحدّد ارتباط المخابرات السورية بالعمليتين، فضلاً عن رسائل استدعاء أحد مسؤولي النظام (علي المملوك)، وسُجل للقضاء اللبناني أيضاً انجاز بتوقيف ميشال سماحة لنقله متفجرات من سوريا إلى لبنان بهدف زرع الفتن الدموية، وايضاً أثبت تورّط النظام السوري بالقضية من دون أن يتم تسليم المتورطين. وفي الملفين اعتبر “حزب الله” أن ما أصدره القضاء لا يعنيه ولم يقم بخطوة واحدة ولو “بروتوكولية” تجاه حليفه السوري لتسليم المتورطين… بل على العكس تماماً. ويضاف إلى هذه أيضاً ملف ارتبط بمحاولة اغتيال الوزير السابق بطرس حرب وعدم تسليم أحد المشاركين في العملية الذي قُتل في معارك سوريا.
… واستطراداً، على “حزب الله” ان يتمثل ايضاً بقول السيد المسيح الذي لعله تناهى الى مسامعه من التيار العوني المسيحي نتيجة قربه منه وتحالفه معه على الرغم من أنه أيضاً وأيضاً لا يمشي على هديها: “لا تُدينوا لئلا تُدانوا”!