بين جملة المواقف التي أطلقها جاءت ملفتة دعوة رئيس الحزب “الاشتراكي” وليد جنبلاط “حزب الله” الى تسوية عنوانها الحكومة. ضمن الجهود التي سبق وبذلها نجح رئيس مجلس النواب نبيه بري بالشكل في تأمين تواصل “حزب الله” و”الاشتراكي”، ولكن بالمضمون لم تتعد علاقتهما حدود التواصل الطبيعي وفي ظروف معينة. لكن هذا لم يمنع جنبلاط من مخاطبة “حزب الله” ومد اليد إليه مجدداً أو الإستنجاد به، بعد التسليم بقدرته وحده وهو الاقوى حالياً على انقاذ البلد من الانهيار التام. على غير عادته لم يفاتح جنبلاط “حزب الله” بسلاحه ولا بعلاقته مع ايران وبانخراطه بملفات اقليمية، بل على العكس لم يعد يجد امامه الا “حزب الله” ليستعين به للخروج من المراوحة الحاصلة.
في تفسير مصادر “الاشتراكي” لهذه الدعوة ان الاوضاع بلغت مبلغاً لم تعد تحتمل معه المزيد من المناكفات السياسية كما كانت الحال عليه من قبل. الدولة انهارت ومؤسساتها تلاشت ما يستدعي سؤال “حزب الله” دون غيره هل تريدون للدولة ان تبقى؟ إذاً لنحافظ عليها ثم نناقش الرؤية والتصور لهذه الدولة مستقبلاً، لكن الاهم اليوم هو الحفاظ على وجود هذه الدولة ولو بحدها الادنى، والا فهل انتم مستعدون لحمل عبء البلد على اكتافكم؟
وليس من باب التمني بعودة تلك الحقبة وانما من باب لفت الانتباه ذكر جنبلاط “حزب الله” بأنه حتى في زمن الوصاية السورية كانت الدولة بحدودها الدنيا موجودة وقائمة، فهل انتم اولاد البلد لا تريدون دولة نحتكم اليها؟ أراد رئيس “الإشتراكي”، وفقاً للمصادر، “وضع الامور في نصابها، ومد اليد الى تسوية على قاعدة ان نحافظ على الدولة والمؤسسات وان نمنع الانهيار الاقتصادي وبعدها افعلوا ما تجدونه مناسباً، وفي نهاية المطاف انتم الاقوى وانتم تديرون البلد فاتركوا العالم يتنفسون”.
أما التسوية المقصودة فهي تلك التي تؤمن تشكيل حكومة، فطالما أن المعرقل هو رئيس الجمهورية ميشال عون، المطلوب من “حزب الله” اقناعه بتسهيل تشكيل هذه الحكومة للخروج من الازمة. تقصّد جنبلاط في مقابلته المتلفزة التمييز بين بري و”حزب الله” ولو شكّلا ثنائياً، لكن دور بري لا يمكن حصره بالثنائي كما لا يمكن الطلب منه ما يطلبه من “حزب الله”، ولو التقى معه على توصيف الواقع السياسي والاقتصادي ذاته، “ولكن مونة بري على عون ليست كمونة حزب الله، فكل الاطراف ليس بمقدورها لعب هذا الدور الا حزب الله بعدما احتار معه الفرنسيون وفرض الاميركيون عقوباتهم، وهو الطرف الاقوى الذي اوصله للرئاسة”.
ولم يستثن المسيحيين من المسؤولية ودعاهم و”حزب الله” الى التصدي لمحاولات عون الالغائية. فما يخشاه جنبلاط هو عدم قدرة الحريري على الصمود وتقديم تنازلات تحكم قبضة ميشال عون وسيطرته. لم تكن هذه هي المرة الاولى التي يطالب فيها رئيس البلاد بالاستقالة. ومن جوابه عن البديل في ما لو حصل واستقال عون كان واضحاً انه لا بد يحتفظ في سره باسم لم يعلنه، تجنباً لاحراقه وكي لا يظهر بمظهر من يملي على المسيحيين خياراتهم.
ولكن ليس جنبلاط وحده الذي مد اليد لـ”حزب الله” طالباً مساعدته، فقد سبقه الفرنسيون الى الطلب ذاته، أما “الحزب” فيرد وفق مصادر مطلعة على أجوائه: “الكل يريد الضغط على عون وجبران باسيل وجوابنا ان عناوينهما معروفة واذهبوا وناقشوا معهما الامر”، لكن لب المسألة هنا وما يستحق النقاش من وجهة نظر “حزب الله” ليس طلب المساعدة للضغط على عون، وانما “لماذا لا يصار للضغط على الحريري لتسهيل تشكيل الحكومة. ما يطلبه عون هو وحدة المعايير وبدل ان يطلب منه التنازل، لمَ لا يوحّد الرئيس المكلف معاييره؟ خصوصاً وانه يقول انه يتجه لتشكيل حكومة انقاذ لجلب المساعدات والدعم من خلال الفرنسيين، ولماذا يجب ان نقول لعون تنازل واقبل بما يعرضه عليك الحريري بينما يتفاهم الأخير مع الثنائي الشيعي على حصتهما، وكذلك يفعل مع جنبلاط ويحتفظ لنفسه بكامل الحصة السنية فيما يريد مشاركة عون الحصة المسيحية؟”.
يستغرب “حزب الله” سؤال جنبلاط عما اذا كان يريد دولة لتقول المصادر المطلعة على اجوائه ان “حزب الله هو من يريد دولة وقضاء مستقلاً، ويريد مكافحة الفساد ولا يمكن للآخرين تحميله المسؤولية عن الواقع الراهن، ونتيجة انهيار المؤسسات والاقتصاد المتراكم منذ سنوات خلت”.
يكاد “حزب الله” ان يقع في حيرة في من يوجهون اليه الاتهامات يميناً ويساراً، حيناً بأنه دولة داخل دولة وحيناً آخر باتهامه بموضوع المرفأ والسلاح والتعطيل، ثم يطلبون منه التدخل والانقاذ وينادونه بتسوية للضغط على عون… و”هل يجب أن نعقد تسوية مع الحريري والضغط عليه لإنصاف الدروز بعد ان اعتبر جنبلاط ان الخارجية والسياحة لا تطعمان خبزاً؟”، المطلوب من وجهة نظر “حزب الله” ليس تسوية، بل تقديم تنازلات للوصول الى امكان تشكيل حكومة انقاذية والجلوس بعدها للتفاهم على اعادة الاعتبار الى المؤسسات وبنية الدولة.