لو طرحنا السؤال الآتي: كيف يستقبل العرب العام الجديد لأصابنا اليأس لشدّة المآسي والفواجع والحروب والدماء؟
فمن سوريا الى العراق فاليمن فليبيا فالصومال (…) يسير نهر الدماء الذي لم يتوقف منذ سنوات طويلة آخذاً معه مستقبل أبناء الأمة وطموحاتهم وأيضاً حقهم في العيش الكريم ومواكبة العصر، وخصوصاً الحق في الاستقرار والإنماء والازدهار، وعلى الأخص الحق في الحياة!
ولو أجرينا جردة سريعة لأصابنا الذهول إذ ان أعداد القتلى تبلغ أرقاماً خرافية، ناهيك بالدمار والخراب وتعطيل مجرى الحياة اليومية، وأمّا عن النزوح فحدّث ولا حرج!
ونحن، في لبنان، نحمد الله أنّ الأوضاع الأمنية منضبطة وأنّ «الحراك» الذي انطلق ثورة مدنية سلمية منذ ١٧ تشرين الماضي فقد فعل فعله في كسر المحرّمات وإسقاط الخطوط الحمر وفتح الملفات على خلافها ما يشكل قاعدة عمل سياسية وإدارية ومالية جيدة للمستقبل.
ولكن، ومن أسف شديد، فإننا نستقبل العام الجديد ونحن في أسوأ أحوالنا على الصعيد المالي – الاقتصادي – الاجتماعي وقد ضاقت سُبل العيش في الأكثرية الساحقة من الناس، وباتت أدنى متطلبات الحياة بعيدة عن متناول معظم الشعب الذي يكاد نصفه أن يكون قد بلغ حدّ الفقر أو أدنى، فيما غابت الطبقة الوسطى التي هي (أو كانت) صمّام الأمان الذي يقوم عليه التوازن والنمو… هذا النمو الذي هبط من ٩٪ قبل عشر سنوات الى صفر في المئة اليوم، وليس من دليل على تحسّن في الوضع، إنما المؤشرات كلها تحمل نذر الهبوط الى ما تحت الصفر.
وفي نظرة سريعة، ولكن واقعية، الى الحال العام إنْ في لبنان أو في معظم بلدان المنطقة لأشارت الأصابع والوقائع الى إيران وأتباعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن… في انهم المسؤولون هناك عن الانهيار الشامل وعندنا عن الأزمة الاقتصادية الخانقة.
لقد كانت إيران واضحة ومباشرة، منذ مؤسّس جمهورية آيات الله الخميني وحتى المرشد الأعلى اليوم خامنئي، بأنها تريد تصدير ما تسميه «الثورة الاسلامية»، وهي في الحقيقة «ولاية الفقيه» التي تريد أن تشيّع المسلمين في الأقطار العربية وربما في سواها من بلدان المنطقة… لذلك أقامت لها وكلاء (غير شرعيين) في لبنان كما في سائر بلدان المنطقة… وزوّدتهم بالأسلحة، خصوصاً صواريخ «حزب الله»، وأوكلت إليهم عمليات الخربطة فالهيمنة على القرار كما هي الحال عندنا في لبنان.
فالمعاناة اللبنانية الكبرى في المجال الاقتصادي بمتفرعاته كافة لها أسباب عديدة إلاّ أنّ أبرز أسبابها هو «حزب الله» الذي ارتهن القرار السيادي في البلد وأقام دويلته في قلب الدولة وعلى حسابها، واستجلب الى لبنان العقوبات الاميركية التي طاولت اللبنانيين جميعاً، وحرمنا السياح العرب وبالذات السياح الخليجيون الذين كانوا عمود السياحة التي هي عمود الاقتصاد.
أضف الى ذلك ضرب التوازن الوطني من خلال فرض القرار بقوة السلاح على سائر الأطياف اللبنانية العزلاء من كل سلاح: فالسلاح يفرض رئيس الجمهورية، ويفرض الوزراء، ويفرض الحقائب، وبات، أخيراً، يفرض رئيس الوزراء.
باختصار، ليس في لبنان دولة إلاّ في الشكل أما في المضمون فنحن في دولة «حزب الله»… ومن أسف أنّ هذه الحال تمتد الى العام الجديد.
عوني الكعكي