IMLebanon

«حزب الله» لم يبتلع الطُعم

 

إنتهى عام 2019 في حسابات «حزب الله» الى أفضل ما يمكن على مستوى الحصيلة الاستراتيجية. المهم بالنسبة اليه انّه نجح في الحؤول دون ان يحقق الاميركيون أي انجاز نوعي في «الحرب الناعمة» المُعلنة ضدّه، وأحدث فصولها محاولة إستغلال الحراك الشعبي لتضييق الخناق عليه وحشره في الزاوية الضيّقة، حسب فهمه لتسلسل الأحداث ودلالاتها.

 

يستعد «حزب الله» لمواجهة تحدّيات 2020 بحسابات دقيقة، آخذاً في الاعتبار انّه محاط برمال متحرّكة يتطلّب عبورها الحذر الشديد والتبصّر الدقيق.

 

 

 

يتصرّف الحزب على اساس انّ «واشنطن التي فشلت سابقاً في النيل منه عبر أشكال متنوعة من الاستهداف، تسعى حالياً الى استخدام تكتيكات جديدة للإطباق عليه، مستفيدة من لحظة إعادة تشكّل المشهد اللبناني عقب 17 تشرين الاول».

 

 

 

ويؤكّد العارفون، أنّ الحزب توصّل الى اقتناع، عبر تقاطع المعلومات وتحليلها، أنّ «الولايات المتحدة باتت تميل الى اعتماد خيار التأسيس المتدرّج لـ«الدولة البديلة» في لبنان، من خلال الرهان على قوة التأثير لدى شخصيات جديدة وانماط تفكير مختلفة بدأت تظهر على المسرح، وذلك بعدما فقدت الولايات المتحدة الأمل في الطبقة السياسية الحالية الفاسدة التي صارت تشكّل عبئاً عليها وبالتالي اصبحت عاجزة عن خدمة مصالحها».

 

 

 

ويلفت المرتابون في نيات الاميركيين، الى أنّ واشنطن تعلم انّه لا يمكن الانتقال مباشرة وفوراً الى «الدولة البديلة»، وهي لا تزال تحتاج في المرحلة الانتقالية الى خدمات سلطة ما قبل 17 تشرين الاول، علماً أنّ من الاشارات الواضحة الى بداية التخلّي عن «الحرس القديم»، انّ واشنطن لم تتمسّك ببقاء الرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة وكذلك باريس وعواصم غربية اخرى.

 

 

 

وتفيد المعلومات، انّ الادارة الاميركية لم تكتف فقط بإعطاء انطباع حول عدم تمسّكها بالحريري، بل أنّ أحد مسؤوليها من المعنيين بالملف اللبناني ابدى إنزعاجه من كون رئيس تيار «المستقبل» قد أوحى بأنّ الاميركيين يفضّلونه أو يصرّون على عودته الى السراي.

 

 

 

وضمن السياق نفسه، سبق للفرنسيين أن «أعربوا عن عدم رغبتهم في حضور الحريري شخصياً لمؤتمر الدعم للبنان الذي عُقد في باريس اخيراً، بعدما فقدوا الثقة في قدرته على تحقيق الشروط الاصلاحية التي حدّدها المجتمع الدولي لمنح الاموال والمساعدات الى لبنان».

 

 

 

كما انّ التواصل كان شبه مقطوع بين الحريري والسعودية طوال الفترة الممتدة من تاريخ استقالته الى لحظة انسحابه.

 

 

 

هذا الفتور الدولي – الاقليمي حيال الحريري سهّل على ما يبدو خيار تكليف الدكتور حسان دياب تشكيل الحكومة لدى الاكثرية النيابية. ويجزم المطلعون أنّ «حزب الله» مرتاح حتى الآن الى سلوك دياب ونمط مقاربته للامور، وهو مصمّم على تقديم كل التسهيلات الممكنة لإنجاح مهمته ومنع إحراجه امام الداخل والخارج.

 

 

 

وبهذا المعنى، فإنّ الحزب مستعد لإعطاء دياب ما لم يعطه للحريري، ليس فقط لأنّ مواصفات حكومة برئاسة الحريري السياسي تختلف تلقائياً عن مواصفات حكومة يترأسها الاختصاصي دياب، بل أيضاً لأنّ القوى التي سمّت دياب وأخذت هذا الخيار على مسؤوليتها تشعر انّها معنية بإنجاح تجربته وتحصينها.

 

 

 

وعلى هذا الاساس، بذل الحزب جهداً مكثفاً خلال الأيام الماضية لمعالجة العِقَد التي لا تزال تعترض الولادة الحكومية، وهو بات متقبلاً مبدأ «التنازل عن الصيغة التكنوسياسية لحساب توليفة من الوزراء التكنوقراط الموثوقين، الذين يجمعون بين النزاهة والسمعة الوطنية النظيفة».

 

 

 

وعُلم انّ دياب ابلغ الى «الحزب» انّ اولوياته بعد تشكيل الحكومة ستتركّز على التصدّي للأزمة الاقتصادية المالية ومكافحة الفساد ولجم الإنهيار وانقاذ لبنان، وأنّه لن يستغرق في الملفات السياسية التي تتسبّب في الانقسامات والتجاذبات.

 

 

 

والى جانب المرونة في التعاطي مع الرئيس المكلّف، يكشف المطلعون انّ «الحزب» اتخذ قراراً بـ«تصفير» النزاعات الداخلية حتى اشعار آخر ولو من طرف واحد اذا تطلّب الامر. وعلى هذه القاعدة، فإنّ «الحزب» حاسم في رفض أي انزلاق الى الفتنة المذهبية، وهو أبلغ الى دوائره وكوادره «ضرورة التشدّد في عدم الإنجرار الى أي شكل من اشكال الفتنة السنّية – الشيعية، وعدم الردّ على أي نوع من الاستفزازات التي قد تحصل على الأرض او عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاستدراج قاعدة الحزب الى مواقف حادّة أو تصرفات انفعالية».

 

 

 

اكثر من ذلك، يشدّد الحزب في هذه المرحلة على ضرورة تفادي كل خطاب يمكن أن يتضمن نبرة استعلائية أو يوحي بتحقيق انتصار على الآخر، في معرض مقاربة الوضع الداخلي بعد تسمية دياب، معتبراً انّ هذه التسمية ليست موجّهة ضد الطائفة السنّية، وهي اتت أصلاً بعد إخفاق كل المحاولات التي بذلها «الثنائي الشيعي» لإقناع الحريري بالعودة الى رئاسة الحكومة، على رغم من انّ الحزب كان يجازف في هذه الحال بإمكان خسارة وجود «التيار الوطني الحر» في السلطة وانتقاله الى صفوف المعارضة.

 

 

 

وأبعد من البيئة السنّية، يؤكّد العارفون انّ مفاعيل قرار الحزب بتكريس التهدئة الداخلية تشمل ايضاً الحزب التقدمي الاشتراكي و«القوات اللبنانية».

 

 

 

ويبدو انّ «النهج الهادئ والبراغماتي» الذي سيعتمده الحزب في التعامل مع القوى الداخلية، حتى تلك التي توجد خصومة بينه وبينها، ينطلق من العوامل الآتية:

 

– اطمئنان الحزب الى أنّ سلاح المقاومة خارج منطقة الخطر كلياً.

 

– تجهيز الارضية لإحتمال ان يبادر الحزب لاحقاً الى تأدية دور اساسي في لملمة الواقع الداخلي، الأمر الذي يتطلب منه خفض منسوب التوتر والخلاف مع البعض الى ادنى حد ممكن.

 

– انّ التحدّي الاقتصادي والمالي يستوجب تركيز الجهود في اتجاه معالجته وليس تشتيتها في نزاعات جانبية لا طائل منها.

 

– انّ انطلاقة الحكومة الجديدة بزخم قوي تستدعي تأمين بيئة مناسبة لعملها.

 

 

 

والحزب المتأكّد من انّ الطريقة القديمة التي كانت تتبعها الطبقة السياسية في إدارة الدولة لم تعد مقبولة، وضع هدفاً مركزياً له على لائحة اولويات السنة الجديدة، وهو السعي الى تحويل التهديد فرصة، اي البناء على التطورات المستجدة بعد 17 تشرين «لتجفيف ينابيع الفساد والهدر الاساسية ولجم مساوئ الطبقة السياسية».

 

 

 

والحزب الذي تواصل، ولا يزال، مع عدد من رموز الحراك، مستمر في «التمييز بين الحراك الصادق الذي ينادي بمطالب مشروعة ومحقة، وذاك الذي يملك اجندة غير بريئة ويوظفه الاميركيون لإيجاد معادلة داخلية مختلفة، تفضي في نهاية المطاف الى محاصرة الحزب وسلاحه».

 

 

 

ويكشف قيادي بارز في 8 آذار، وقريب من الحزب، «انّ المعنيين باتوا يملكون وقائع مفصّلة حول المشروع الاميركي لإستثمار بعض جوانب الحراك واطرافه، في اتجاه خلخلة التوازنات القائمة في لبنان، تمهيداً لإفساح المجال أمام ظهور بدائل تمّ تحضيرها مسبقاً لكي تملأ الفراغ في الوقت المناسب».

 

 

 

ووفق ما تجمّع من خيوط لدى هذا القيادي، فإنّ «التوظيف الاميركي لغضب الناس ونقمتهم على السياسيين الفاسدين والفاشلين، كان يُفترض ان يبدأ من تشكيل حكومة تكنوقراط على أساس معايير وفق النموذج الاميركي ثم يتدحرج الإنقلاب تباعاً نحو إجراء انتخابات نيابية مبكرة وتغيير رئاسة مجلس النواب ومحاصرة الرئيس ميشال عون، وبعد ذلك يأتي من يفاوض الحزب بشروط المنتصر حول طريقة مكافحة الفساد وبناء الدولة، لينتهي الامر الى طرح مسألة السلاح على بساط البحث في اعتبارها عائقاً امام تأسيس الدولة الحقيقية، وعندها يكون الحزب امام خيارين، فإما ان يوافق وهذا غير وارد، وإما ان يرفض فيظهر كأنّه في مواجهة مع الحراك المشتق من نسيج الشعب اللبناني».

 

 

 

وازاء هذا الرسم البياني للأحداث المتوقعة والذي وضعه «حزب الله» بعد أيام على انطلاق الاحتجاجات، كان قرار القيادة بدعوة المحازبين والمناصرين الى الخروج من الساحات، «خصوصاً أنّ الاميركي كان يراهن على حصول اضطرابات في بيئة الحزب لإحراجه ومحاصرته في داخل «قلعته».

 

 

 

آنذاك، وصلت الى «حزب الله» اصداء تعليق أوساط اميركية على سلوك الحزب، فحواها أنّ «حزب الله» لم يبتلع الطُعم».

 

 

 

لكن «حزب الله» يدرك انّ التركيز على التصدّي للسياسات الاميركية لم يعد كافياً وحده، وانّ هناك احتياجات وحقوقاً حيوية للبنانيين ينبغي تأمينها للتخفيف من وطأة الأزمة عليهم.

 

 

 

وتلفت مصادر قريبة من الحزب الى انّه يتعامل مع المأزق الاقتصادي المالي من خلال الزوايا الآتية:

 

– الحلول ممكنة والمطلوب الإرادة السياسية الصلبة والصادقة لتطبيقها.

 

– وجوب استعادة الاموال المسحوبة الى الخارج للتعويض عن السيولة المفقودة، ولو تمّ ضخ ما بين 4 و 5 مليارات دولار من الاموال المهرّبة في السوق اللبنانية فهذا يكفي لتنشيطها مجدداً.

 

– تفعيل الإهتمام بالملف الاجتماعي، على قاعدة ممنوع ان يكون هناك جائع في مناطق وجود الحزب.

 

– الفرصة سانحة لتغيير النمط الاقتصادي القديم ومواجهة «الرأسمالية المتوحشة» وسياسات بعض اصحاب المصارف، إنما من دون ان تكون المعركة مع القطاع المصرفي في حدّ ذاته لأنّ لا مصلحة في انهيار المصارف.

 

– الحزب سيبذل المستحيل انطلاقاً من موقعه ودوره لمنع الانهيار، لكن من دون أن يأخذ على عاتقه ضمان منعه، لأنّ تلك مسؤولية كبرى يجب أن يتشاركها الجميع، ومن غير أن يصاب بالهلع حيال إحتمال وقوعه، بل هو يحتسب للسيناريو الأسوأ على هذا الصعيد ويستعد لمواجهته، بحيث تكون ساحته الأقل تضرراً منه إذا حصل.