IMLebanon

أسئلة عن أداء حزب الله على إيقاع التوتّر الداخلي

 

لماذا يترك حزب الله الوضع الداخلي يتّجه إلى مزيد من التوتر السياسي؟ وبمَ يفيده هذا السلوك داخلياً؟ وأيّهما يصح في وصف خلفية موقفه؟ الإرباك أم فائض قوة؟ وهل يساهم التوتر الحالي في تعزيز موقفه في إدارة اللعبة أم العكس؟ تلك عيّنة من أسئلة تحفل بها نقاشات خصوم حزب الله، في ظلّ غموض يكتنف مصير المستقبل القريب للأزمات المتلاحقة.

 

لا يَغفل سياسي عن حجم حضور الحزب وقوته محلّياً وإقليمياً. تلك المسلَّمة لا تعني أن ما يجري منذ أسابيع لا يطرح أسئلة حول مسلك هذا الحضور واتّجاهه ومدى صوابيته. واستطراداً، ما ينفع الحزب حين يربح لوحده وسط حالة الانهيار التام التي يعيشها اللبنانيون؟ وفقاً لذلك كان من الطبيعي أن تُراقب حركة حزب الله، ربطاً بحدث الانتخابات الأميركية – ومن ثم رؤية إدارة الرئيس جو بايدن حيال الملفَّين النووي الإيراني واليمني – وتداعياته على لبنان. لكن ما فاقم الاهتمام بموقع حزب الله، ثلاث محطات رئيسية، أمنية تتعلق بالتحقيقات في انفجار المرفأ وإبعاد القاضي فادي صوان، وعملية اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم وما تبعها من ردود فعل، وسياسية تتعلق بتعثر تشكيل الحكومة، والأهم المحطة المتعلقة بمستقبل العلاقات بين المكوّنات اللبنانية. إذ أن ما جرى منذ أسابيع يأخذ مسلكاً أكثر خصوصية في التعامل مع الحزب، وتعامل الأخير مع القوى السياسية.

منذ ما قبل تكليف الحريري، وحزب الله يتصرف بمرونة، في مقابل تهدئة من الأطراف الأخرى. لا الحريري، بطبيعة الحال، في وارد إشهار خصومة معه، ولا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أما التيار الوطني الحر، فمن أهل البيت، في حين كانت القوى المعارضة له كالقوات اللبنانية لا سيما منذ المشاركة في حكومة الحريري قبل استقالتها، والكتائب، تسلك سبيل الأجواء الطرية معه من دون تنازلات. حتى بكركي حفظت لها موقعاً معه في المعادلة الداخلية مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. بقيت لقاءات سياسية وأصوات سياسية متفرقة تجاهر بخصومته، كلقاء سيدة الجبل والنائب السابق فارس سعيد، وبعض الأصوات السنية من رؤساء الحكومات السابقين ووزراء ونواب سابقين. لكن ما بعد انفجار المرفأ كحدث مفصلي ثانٍ بعد تظاهرات 17 تشرين، تغيرت سلوكيات القوى السياسية، ومنها حزب الله.

ورغم أن الحزب حظِيَ – لا سيما بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون – بانفتاح غربي من خلال لقاءات مشتركة وموسّعة، وخصوصاً في ظل تفاهم على مبادرة تشكيل الحكومة، إلا أن مستوى التوتر أخذ يعلو تدريجياً. صحيح أن الحزب لم يخرج عن إطار التسويات، واستمر ينسج خيوط تهدئة قوية مع الحريري من دون شارعه، إلا أن المشهد العام تبدل نحو الحدّة من جانبه كما من جانب الأطراف الأخرى. لأول مرة يقدم الحزب ادعاءات قضائية ضد أصوات منتقدة له، ولأول مرة منذ انتخاب الراعي يكسر الجرة معه بشكل علني، كما يمكن الكلام عن مرة أولى في هجوم على بكركي وعدم تراجع الأخيرة عن موقفها، لا بل سلوكها مسلك التصعيد المقابل.

من هنا كان السؤال المحوري في النقاشات: إذا كان حزب الله اختار عدم الرد على اغتيال سليم والاتهامات التي طالته، أولاً وآخراً لخصوصية «شيعية»، فلماذا الذهاب في اتجاه الرد على بكركي وكل من يدور في فلكها؟ فخلفية مطالبة بكركي بمؤتمر دولي للبنان، لا يمكن أن تكون سبباً في هذا التصعيد، لأن هذه المطالبة – عقلانياً – محكومة بالفشل، لأسباب تتعلق بأن الدعوة ليست مبنيّة على غطاء دولي أو فاتيكاني لتحقيقها. وهذا يعرفه الحزب جيداً. كذلك لأنها لا تحظى بإجماع لبناني، ولأن من المبكر الكلام عن مصير مؤتمر دولي بهذا الحجم، في هذا التوقيت، فيما مجموعة مؤتمرات دعم معلّقة. فإذا كان الحزب يعرف تماماً ذلك – ولا يخشى تبعاً له طرح مصير سلاح الحزب على الطاولة الدولية، فيحاول قطع الطريق مسبقاً عليها، علماً أن هناك نظرية عن استفادته من مجموعة من القرارات الدولية إما المعطلة أو المنفّذة – فلماذا يصر على إشهار موقفه المعارض؟ إلا إذا كان هدف الموقف توجيه رسائل أبعد من تسجيل الرفض المسبَق. وهذا يعني في المحصّلة أن ردة الفعل لن تنحصر في ما هو مطروح حالياً، بل تعكس جانباً من مستقبل علاقات المكوّنات السياسية والدينية، أبعد من اللحظة الراهنة المتعلقة بسلوكيات ومبادرات آنية.

 

أيّ إفادة يجنيها الحزب، في ظلّ تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية، من استمرار تعطيل الحكومة؟

 

 

وفي موازاة ذلك، تُطرح علاقة الحزب بتشكيل الحكومة كجزء من حالة التوتر. لأن استمرار إمساك حزب الله عصا التشكيل من نصفها في مساواة الحريري وباسيل، يعني استمرار تعطيل الحكومة، واستطراداً، ازدياد مؤشّرات الانهيار الداخلي على المستويات كافة. فأيّ إفادة يجنيها الحزب، في ظلّ تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية، وتحذيرات الرئيس نبيه بري رسالة في الاتجاهين، واحتمالات التصعيد التدريجي سياسياً وشعبياً، ما يؤدّي حكماً إلى مزيد من الأصوات المعارضة له؟ أبعَد من موضوع تفاهم مار مخايل وتحسين شروط الورقة المكتوبة منذ سنوات، فإن تعدّد جبهات الأصوات المعارضة للحزب، لا تعفي أيضاً جمهور التيار الوطني، بصرف النظر عن تحالف الحزب مع باسيل واستمراره في تأمين شروط هذا التحالف. فقدرة الحزب على صياغة تشكيل الحكومة ليست مدار بحث، كما عنصر قوته الداخلية، بل العكس تماماً. فالسؤال مطروح حول سبب الامتناع عن هذه الصياغة، وكذلك ترك الشحن الطائفي والسياسي يتفاعل، وأي مستقبل للبنان يمكن أن يبني عليه الحزب رؤيته، حين يصبح حلفاؤه وخصومه في خندق واحد؟ وهنا السؤال الأخير، في مقابل حجم الانغماس الإقليمي الكبير، هل أصبحت الهوة الداخلية كبيرة، بحيث لم تعُد الحاجة إلى أجوبة أمراً يستدعي الحوار حوله؟