يستمتع ساكن القصر بالهجمة الدبلوماسية عليه. يتعب قليلاً، لكنّه يفرح كثيراً. حتّى أنّه يستقبل السفراء من دون كمّامة لتشعّ ابتسامته، بعدما جهَّز خطابه وبَكَّلَه، ليتابع سعيه المشكور حتّى يجزيه الله خيراً في الدنيا والآخرة.
وباله مرتاح ساكن القصر. فهو مسنود الى مِحور يعرف ماذا يفعل. لا شيء يحدث من خارج السياق. وغبيّ من يحسب غير ذلك.
بالتالي كلّ هذه الجولات المكوكية للسفراء لن تسفر إلا خيبات. وهي إن كانت تفيد المعزول في الشكل، إلا أنها في المضمون عقيمة، ولن تتمخّض لتلد حتى ذياك الفأر المشهور… أما معالجة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، فهي ليست حتى على قائمة هموم المِحور، لأنّ العكس هو المطلوب. فما يريده من الأزمة الراهنة والأزمات التي سبقتها هو المكتوب، ولا مفرّ من المكتوب.
لذا تصبح “حكومة إختصاصيين” ساقطة حتماً حتى قبل ولادتها، مع الحكم سلفاً بأنّ “القرارات التي تواجهها” ليس لديها أكتاف، لذا وحرصاً على الرئيس المكلّف، الأفضل له أن “يورّط الطبقة السياسية، لتضع كتفاً إلى كتفه”.. ويشكل “حكومة سياسية أو تكنو- سياسية بوجوه مكشوفة كي لا يهرب أحد من المسؤولية”.
قمّة الخبث تكمن في هذه الجملة، وفيها أيضاً سرّ الأسرار، لا سيما لجهة الهروب من المسؤولية. ففعل التوريط ينحصر بالرئيس المكلّف وحده دون سواه، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. وقد حصل منذ إفساح الطريق للتكليف مع شبهة تسهيل مغرِّرة، وعلى الناعم شيئاً فشيئاً، وصولاً إلى ما هو فيه من الغرق في كيديات وسخة وحقودة تسمح لمن ينفّذ قرارات المِحور التعطيلية بأن يفرز سمّه وعقده وشتائمه ووقاحته قدر ما يشاء. ويتمسّك بما يشاء وينفض يده ممّا يشاء.
أما لجهة المسؤولية المتعلّقة بالمرحلة المقبلة القاضية بالخضوع لشروط صندوق النقد الدولي ورفع الدعم عن السلع الأساسية وتحرير سعر صرف الدولار، فأيضاً سيتحمّلها الرئيس المكلف وحده، ومن دون وزراء حكومته المحسوبين على أحزاب المنظومة، وتحديداً وزراء سيّد القصر وصهره المدلل. حينها ستصبح الأكتاف يهوذية اسخريوطية، يتعاضد أصحابها ليوقِعوا بالرئيس المكلف.. وعندما يقع يصلبونه.. وبالطبع سيتباكى لصوص الهيكل عليه، ثم يتابعون صولاتهم وجولاتهم ويبيعون الماء في حارة السقّايين. وإذا لم يستجب الرئيس المكلّف وأمعن في عناده ورفضه الخضوع للإهانات والكيديات، ورفض كذلك تحقيق حلم سيد القصر وصهره المدلّل ومستشاريه بالإنسحاب، واحتفظ بالتكليف في جيبه، فحينها، و”من أجل المستقبل يجب أن نجد حلاً قانونياً دستورياً لمعضلة عدم تشكيل الحكومة خلال أشهر ويمكن الآن يَقدرون أن يبقوا سنة أو سنتين لا يشكلون، أو أنّ رئيس الجمهورية لا يقبل”.
حلو الرواق!! وأحلى منه هذا التلويح بما هو بالفعل أمر مؤجل أو.. معجل.. وِفق ما يناسب رأس المِحور. ينفّذه ساكن القصر وبمتعة مقرونة بالحقد الطائفي المتفاقم والمتعاظم والرافض الآخرين والمصرّ على إبقاء الأمر له.
وكأنّنا نسينا الماضي القريب للحريص على المستقبل، والغيور على مصلحة هذا الشعب المسكين الذي يجب أن يبقى محكوماً من هذه المنظومة ويمتنع عن قطع الطرق والاحتجاج. حبّذا لو يتذكّر عندما عطّل مجلس النواب مراراً وتكراراً حتّى يحقق سلاحه خارج الدولة وفائض القوة المقرون به ما يريد أن يفرضه على اللبنانيين أجمعين.
وأخيرها وليس آخرها توكيل مهمّة التعطيل إلى ساكن القصر وصهره ومستشاريه بأكتافهم الإسخريوطية.