ذَكَرَتْ الأمس، وكالة أنباء الحرس الثوري الإيراني، انّ «حزب الله» باشر بنقل معدّات عسكرية نحو الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتّلة، تمهيدًا لعمل عسكري، ردًّا على إغتيال «اللواء قاسم سليماني» منذ أيّام عدّة.
وذلك يعني، أنّ «حزب الله»، وفي حال صحّت المعلومات، قد اتّخذ قراره بالرّد على عملية الإغتيال، إنطلاقًا من الحدود اللبنانية، بشكل ثابت وأكيد.
وبالتالي، هل يحّق لحزب سياسي، إتّخاذ القرار بالحرب والمواجهة، في شكل منفرد وآحادي، من دون العودة إلى مجلس الوزراء؟.
وهل يَعْلَم هذا الحزب، ما يُمكن أن يكون ثمن قرار كهذا، في حال اتّخاذه، على لبنان وشعبه وسلامة أراضيه؟.
وهل يُدرِك هذا الحزب، أنّ الشعب (كلّ الشعب) هو مصدر السُلطات، وصاحب السيادة، يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية، سندًا لما جاء نصّه في الفقرة «د» من مقدّمة الدستور، ولا يحق له مُصادرة قرار الشعب، وإختزاله، ودفعه إلى آتون من الحديد والنار، تنفيذًا لأجندات خارجية، لا أكثر ولا أقّل؟.
فالمادة /17/ من أحكام الدستور تنُّص صراحةً، أنّ السُلطة الإجرائية مُناطة بمجلس الوزراء، وهو يتولاّها وفقًا لأحكام الدستور ونصوصه.
كذلك، نصّت المادة /65/ من أحكام الدستور، وفي الفقرة الأولى منها، أنّ وضع السياسة العامة للدولة مُناط بمجلس الوزراء، في جميع المجالات دون إستثناء.
فهلّ ما زال يَذْكُرْ «حزب الله» أنّ لدينا مجلس وزراء، يضع السياسة العامة للدولة، ويتّخذ القرارات اللازمة في جميع المجالات، ولاسيما في ما خصّ «قرار الحرب والسِلْم»؟.
وهل يَعْلَمْ «الحزب» أنّ «قرار الحرب والسِلْم» يُعتَبَر من المواضيع الأساسية، والمنصوص عنها في الفقرة الخامسة من أحكام المادة /65/ من الدستور، والتي تحتاج لإقرارها إلى موافقة ثُلثَيّ عدد أعضاء الحكومة، المحدّد في مرسوم تشكيلها، نظرًا لأهميّتها وخطورتها؟.
وهل يُدْرِكْ «الحزب» أنّ الحكومة، (ولو كانت حكومة تصريف أعمال)، يحّق لها الإجتماع إستثنائيًّا، لإتّخاذ ما يجب إتّخاذه من قرارات، مواجهةً لأخطار مُحْدِقة، عملاً بمفهوم «المعنى الضيّق لتصريف الأعمال» (سندًا لأحكام الفقرة الثانية من المادة /64/ من الدستور) وبالتالي، لا يُمكِن التذرُّع بكونها حكومة مستقيلة؟.
وهل يذكُر «الحزب» أنّ لهذه الحكومة بياناً وزارياً (أي خُطّة عمل، نالت الثقة على أساسه من المجلس النيابي) يُعبِّر عن هويّتها، ورؤيتها في كافة المواضيع، ولاسيما الخلافية منها؟.
وهل عاد «الحزب» وقبل اتخاذه قراراً بالمواجهة، إلى مراجعة البيان الوزاري، الذي نصّ صراحةً على ضرورة إبعاد لبنان عن النزاعات الإقليمية والخارجيّة، وعلى ضرورة النأي بالنفس عن النزاعات المحيطة به؟.
وفي الخُلاصة،
لا شكّ أنّ إغتيال «اللواء سليماني» مُدانٌ في كل الحالات. ولا شكّ في أنّ إيران ستسعى إلى الثأر لقائدها.
ولكن، يجب على لبنان أن يبقى نائيًا بنفسه عن هذا النزاع الإقليمي، وأن يبقى بعيدًا عن هذا النزاع الدولي والخارجي. لأنّ لبنان لا يتحمّل أي حرب على أرضه، والمواطن يئِنّ من أوضاعه الإقتصادية والمعيشية السيّئة والمُزرية.
علمًا، انّ قرار الحرب والسِلْم، قرار يعود لمجلس الوزراء، وبأكثرية الثلثين (الفقرة الخامسة من أحكام المادة /65/ من الدستور) ولا يحّق لأي فريق أم طَرَفْ، جَرّ لبنان إلى ما لا يرغب به شعبه (الذي هو مصدر السُلطات) من مآسٍ ودمار.
وفي الخِتام، لبنان وطن سيّد حرّ مُستقِّل، وطن نهائي لجميع أبنائه (الفقرة «أ» من مقدّمة الدستور). فلا يجب علينا أن نسمح في أن نُصبِح جزءًا من منظومة مُركّبة، أو محور إقليمي. فلبنان لجميع أبنائه، وليس لفئة منهم، وقرار المواجهة من عدمها، يبقى قرارًا جامعًا من دون تفرُّد.
ولكل مَنْ يُحاول إقحام لبنان في نزاعات لا علاقة له بها، نقول، لبنان أكبر من الجميع، حتى أكبر من أبنائه، ودفاعنا عنه سببه، أن «ليس ثمّة مكان أغلى من الوطن»، كما قال الشاعر الملحمي الإغريقي «هوميروس».
فتعالوا، نُجنِّب الوطن نِزاعًا، لا ناقة لنا به ولا جَمَل، ونحميه مما يُمكن أن يُصيبه مِن مصائب وخراب. «حمى الله لبنان».