IMLebanon

هكذا يتعايش «حزب الله» مع الحصار

 

مع نهايات العام الفائت، تردَّد أنّ «الارتطام الكبير» سيحصل مع إطلالة 2021. فاحتياط الدعم بلغ الحضيض، وحاكم المركزي رياض سلامة لن يخطئ مجدداً باستخدام احتياط الودائع. لكن الارتطام تأجَّل. وانشغل الجميع بألعاب الخِفَّة: زيادة «غامضة» لرساميل المصارف، تدقيق جنائي «ماشي ومش ماشي»، ومنصَّة عالقة لضبط الدولار. وتحت القبعة، مرَّر اللاعبون «سِحراً» جديداً، وطارت أول 250 مليون دولار من احتياط الودائع، على اسم كهرباء لبنان.

 

هذه المرّة، بات المسار أشدّ خطراً. والمركزي حدّد «آخر موعد» لرفع الدعم نهائياً وجدِّياً: شهر حزيران. وكان يمكن أن تبدأ خطواته الآن، لكن قاسية جداً في شهر رمضان والأعياد. فعندما يُرفَع الدعم، سيكون صعباً ضبط أي شيء: الدولار والتضخُّم ونقمة الناس. ويقال إنّ «الارتطام الكبير» سيقع حتماً في هذه الحال، وسيكون آنذاك موعد الدخول في الانهيار الكامل.

 

 

 

السؤال هو: عندما تسقط مؤسسات الدولة والاقتصاد تماماً، بالضربة القاضية، أي بالانهيار والحصار العربي والدولي، هل ستنهار معها كل القوى السياسية، أم إنّ هناك مَن رتَّب لنفسه قدرات صمود طارئة، أياً كان وضع الدولة والبلد؟

 

وفي شكل أوضح، إذا كان الحصار العربي والدولي المضروب على لبنان- مالياً واقتصادياً وسياسياً- يستهدف إضعاف «حزب الله»، تحديداً، فهل تسير أمور هذا الحصار، فعلاً، نحو هذا الهدف؟

 

يجدر هنا التدقيق في نقاط القوة الأساسية التي لطالما تمتَّع بها «الحزب»، والنظر في مدى تأثُّرها بالحصار، وهي:

 

1- جسر التموين والتمويل الذي يربطه بطهران، وتالياً المعابر والمنافذ التي تربط بين لبنان وسوريا.

 

2- النفوذ السياسي داخل السلطة، خصوصاً بعدما امتلك الغالبية في المجلس النيابي والحكومة.

 

3- القدرات اللوجستية والعسكرية والأمنية.

 

منذ العام 2017، ومع ارتفاع مستوى الضغوط على لبنان، بدأ «حزب الله» يتهيّأ لمرحلة قاسية. وفيما بقيت العقوبات الأميركية على كوادره ومسؤوليه محدودة التأثير، كان الضغط الأساسي يتركز على الدولة اللبنانية، وعلى قطاع المال والمصارف خصوصاً. ونقاط الضعف في هذا القطاع انكشفت عندما رفعت القوى العربية والدولية تغطيتها التي لطالما اختبأت تحتها موبقات أصحاب المال والسلطة.

 

ولكن، في التدقيق، يتبين أنّ الانهيار لم يُصِب «الحزب» بأضرار تؤدي إلى إضعافه. ومراراً أوضح أمينه العام السيد حسن نصرالله ، صراحةً، أن أموال «الحزب» «ليست في المصارف، فلا تُتعِبوا أنفسكم بالعقوبات». ومنذ 17 تشرين الأول 2019، أظهر «الحزب» فعلاً أنّه اتخذ التدابير المناسبة لاستمرار صموده على المستوى المالي.

 

وفي غياب قانون لـ»الكابيتال كونترول»، لا أحد يستطيع التكهُّن: مَن هي الجهات السياسية أو الدينية أو المالية أو الاجتماعية التي استطاعت، على مدى عام ونصف العام، أن تمارس نفوذها لتأمين إنقاذ أموالها من المصارف اللبنانية. وطبعاً، لا يمكن التحليل إذا كان «حزب الله» بينها، وما هو حجم هذه الأموال.

 

ولكن، بمعزل عن وجود أموال له في المصارف، أظهر «الحزب» أنّه يحتفظ بقدراته التمويلية بشكل فاعل. وعلى العكس، هو عمد إلى ترتيب إدارته للأزمة المالية على مستواه كحزب، كما على مستوى البيئة الشيعية التي تناصره، من خلال مؤسسات خاصة شبه مصرفية وأخرى شبه تعاونية.

 

وبيئة «الحزب» هي الوحيدة التي تحصل على الدولار النقدي في شكل منتظم، وتتمتع بقدرات معيشية تخوِّلها الصمود لفترات مديدة، فيما البيئات الأخرى في لبنان تترنّح على حافة الجوع.

لذلك، وفيما خصوم «الحزب» السياسيون في 14 آذار مصابون بالإرباك والتشرذم، وفيما انتفاضة 17 تشرين الأول تتعثّر، فإنّ «الحزب» يؤقلم تعايشه مع ضغط العقوبات العربية والدولية، وهو وحده الذي يمتلك القدرات للعيش قوياً، حتى نهايات المفاوضات بين إيران وكل من الولايات المتحدة والغربيين والعرب، ليقرِّر ما سيفعله في لبنان.

 

ولذلك، تدور أسئلة في بعض الأوساط السياسية عمّا إذا كانت سياسة الحصار والضغط على لبنان قد أثبتت جدواها في إضعاف «الحزب» أم العكس؟ وتالياً، هل هناك حاجة إلى مراجعتها؟

 

البعض يقول: الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون والخليجيون يريدون أن يهزموا إيران من لبنان، وبواسطة اللبنانيين. وهذه معادلة مقلوبة وأظهرت فشلها. والأحرى أن يمارَس الضغط الأساسي على إيران مباشرة، لأنّها مركز القوة، فيُصار إلى حسم الصراع معها وعقد اتفاق جديد. وفي هذه الحال، يأتي الحلّ تلقائياً مع حلفائها في لبنان وسوريا والعراق وسواها.

 

ولو استمرّ الحصار مضروباً على لبنان شهوراً أو سنوات إضافية، في الشكل الحاصل حالياً، فإنّ «حزب الله» لا يبدو مُعرَّضاً للإصابة بضعفٍ يدفعه إلى التنازل. وعلى العكس، هو سيحاول التمسّك بأي ورقة قوة في البلد المفلس المنهار، فيما مؤسساته تتلاشى وشبابه يهاجرون بلا تفكير في العودة… إلاّ إذا أفرز الانهيار نماذج أمر واقع أخرى، مناطقية أو طائفية أو مذهبية.