صَدَقَ “حزب الله” في توجيهاته للسياسات الخارجية للسلطة الحاكمة، وإنْ حاول التيار العوني تغطيته داخلياً. فالتّلاعب التياري في الملفّات الوطنية الداخلية، والصدق “الحزبللاويّ” في المقاربات الإقليمية، وفي خُطواته لضمّ لبنان للمِحور الايراني، ومحاولاته عزلِه عن أصدقائه التّاريخيين المستحقّين لصفة الصداقة، كلها أمور أثبتت بما لا يحمل على الشكّ، هدفية “حزب الله” لمصادرة السياسة الخارجية للبنان، وأكّدت في الوقت ذاته نيّات الغطاء الشرعي، للتيار العوني، من خلال طروحاته ومواقفه، وبيعه للسيادة الوطنية، منتهجاً أسلوبه التلاعبي المعهود على مدى ثلاثين سنة، من غوغائيّة وقحة، وطائفية استهلاكية، وخداع شيطاني، ولم يصدق إلاّ في شعارٍ واحد وهو “التغيير”، ولكن الى الأسوأ “بامتياز”.
إنّ مجرّد العودة الى الخطابات العونية الرنّانة، الخاطفة لمشاعر الناس، والتي صدرت عن مؤسّسه منذ بدايات دخوله العمل السياسي، وعن رئيسه الحالي الوارث بالصهارة، وعن كافة مسؤوليه، يفي بالغرض لكشف مفهومه للعمل الوطني، المُبني بشكل أساسي على أخذ الشعب بالحيلة وبالكلام الجذّاب، والمليء بالوعود الفارغة من الخطط الحقيقية. ومن الحجج الأكثر إستعمالاً مؤخّراً من قبل دعايته الاعلامية، أن عدم القدرة على إصلاح الوضع الوطني ناتج عن عدم حيازته للأكثرية الواضحة في جميع مجالس الدولة، من برلمانية وحكومية وقضائية ودوائرية وأمنية وغيرها، ممّا يدلّ بشكل واضح على نيّاته الإلغائية. إنّ هذه الذهنية أخطر ما يملكه هذا التيار، الذي لا يستطيع التعاون مع غيره والذي لا يعترف بالرأي الآخر، بل يفتح الملفّات استنسابياً ضدّ الآخرين من أجل الابتزاز السياسي المحاصصاتي، مُستعيناً بالاعلام المدفوع والمُلحق، الذي لا يعمل لرسالة الصحافة، المُتمثّلة بالمُراقبة والمُحاسبة، والمُتابعة لكشف الحقيقة، بل يعتمد وسائل إعلامية وإحصائية هدفها الربح السريع، تمتهن قلب الحقائق بتحويل الفاشل ضحية المظلوم، والمجرم فريسة المغدور.
ما يهمّني من هذه المقالة ليس الاضاءة على كل الأرشيف الخداعي لهذا التيار، لأننا بحاجة لكتبٍ مؤلّفة من صفحات كثيرة من أجل ذكر المستندات التي تثبت ذلك، علماً أن مآثرهم تُنشر يومياً في الاعلام وتُذكر على ألسنة الناس في الداخل والخارج، وفي تصريحات المسؤولين الدوليين العالميين حول الشأن اللبناني. ما يعنيني ايصاله من خلال هذه الأسطر القليلة التركيز على فرص التخلّص من هذا الكابوس العوني، الذي قضى على السيادة، بتبريره التعامل مع النقيض للوطن، وقضى على الاقتصاد الحرّ، باشتراكه في الصفقات والعقود والمحاصصات المزرعية، وقضى على السياسات الواعية، ببيعه المصلحة الوطنية في سوق الأموال والمنصّات والبورصات والمناقصات، وقضى على مفهوم النضال المجتمعي والوطني، بتشويه صورة الأبطال والشهداء الذين ضحّوا بحياتهم من أجل البقاء والوجود، وقضى على ذهنية التفاهمات والتحالفات الوطنية، بوضعها تحت شعار التبعية والتقاسم بالأدوار بين الدويلة اللاشرعية والسلطة الفاسدة. ولكنه فشل بقضائه على الأمل، لأنّ ألاعيبه قد فضحتها السياسات الخارجية لـ”حزب الله”، واهدافه المستورة قد كشفتها “القوات اللبنانية”، بطعونها واقتراحاتها وعرائضها الشعبية والبرلمانية، وبدعوتها الى الانتخابات النيابية المُبكرة، مقابل التحضيرات التي يقوم بها فريقه، المُفبْرك للحجج لفتح المجال للتلاعب بالاستحقاقات الديموقراطية القادمة، ومجدّداً تحت شعارات كاذبة وخداعية وعصبيات مُدمّرة.
لهم الهلاك المُذلّ، المُذيّل بالنفاق، ولنا الخلاص المُبارك، المُدعّم بالصدق.