في مرويّات يوسف ابراهيم يزبك التي جمعها في مجلته المرجعية “اوراق لبنانية” منتصف خمسينات القرن الماضي، أن عائلتين مارونيتين من اكبر عائلات بجّه في بلاد جبيل اختلفتا في ما بينهما، وكانت واحدة منهما من المقربين الى الشيخ اسماعيل حمادة حاكم المنطقة من قبل العثمانيين وجابي ضرائبها، لجأت اليه تشكو العائلة المنافسة، فما كان منه الا ان طرد العائلة الأخرى من منازلها وأراضيها الى بلاد البترون، وهكذا ربحت البترون عائلة بجّانية انتشرت وتركت جذورها في غالبية قراها. لن نسمي العائلتين فالناس تعرف والتفاصيل في وثائق ابو إبراهيم، والأهم ان العائلات وضعت هذا “الإنجاز التاريخي” جانباً وتغيرت صيغة السلطة في بلادَيْ جبيل والبترون منذ نهاية القرن الثامن عشر، لكن الشيء بالشيء يُذكَرْ، واستعانة إحدى “العائلات السياسية” خلال الأيام الماضية بالسيد حسن نصرالله لا يمكن الاّ ان تحيي الذاكرة البعيدة والقريبة، فلبنان ليس أكبر من بجّه والمثل المحلي يقول “بجهّ ومعاد ثلثين البلاد “…
اعتاد قادة لبنانيون أن يستعينوا بالخارج. وآخر ممثلي الخارج كانت دمشق. قبلها استعان بعضهم بالفلسطينيين، والبعض الآخر بالإسرائيليين، وبين هؤلاء نشطت دول تمويل الحروب وميليشياتها، وعندما رحل الجميع استقرت ايران كدولة اجنبية ذات النفوذ الأقوى، وعبر الجماعة التي تموّلها وتسلحها باتت هي الأكثر حضوراً في بلد يُخشى ان يصبح الأكثر ضموراً. واليوم يستعين حزب “مسيحي” بهذه الجهة لتحصيل حقوقه من “العائلات المنافسة”، وهو لا يمانع في أي طريقة يمكن اتباعها، إبعاداً أو إلغاء أو شطباً.
وفي الماضي القريب لم تقصّر الجهة المعنية في تقديم الخدمات للمستعينين بها. حتى انه يمكن القول أن “حزب الله” اللبناني هو الأكثر وفاء لمريديه من الاحزاب والشخصيات اللبنانية. وفي السياق يدخل “اليوم المجيد” وإقالة سعد الحريري على بوابة البيت الأبيض وشل مجلس النواب سنتين ونيّف من أجل الإتيان بالشخص المعيّن الى رئاسة الجمهورية، ثم بذل كل الجهود لتأمين غالبية مفتخرة في المجلس النيابي. أكثر من ذلك ماذا في وسع هذا الحليف أن يقدم؟ هو أصلاً فعل ما فعله تدعيماً لمشروعه الخاص بوضع اليد على مفاصل الدولة، ولم يخض أي معركة أو يقدم أي مساعدة لـ”حلفائه” خارج نطاق ما يخدم هذا المشروع، وفي تبنيه اليوم للنقيضين الأبرزين على ساحة “معركة تشكيل الحكومة ” يواصل النهج نفسه: تبني كل ما يسهّل وصوله الى تحقيق مشروعه السلطوي بحذافيره.
وبالطبع، من حق “حزب الله” أن يفكر على هذا النحو، ومن حق الأحزاب الأخرى ان تسعى لمنعه من تحقيق أهدافه، أما ان تصبح مهمته طرد عائلة بجّانية مزعجة، فهذا أمر يفوق خيالنا المحدود.!