هل يمكن التعويل على التحرك الأميركي الفرنسي باتجاه المملكة العربية السعودية من أجل تسريع ولادة الحكومة، أم أنه تحرك تقتصر أهدافه على تنظيم تلقف الانهيار اللبناني الشامل بإجراءات سريعة، في انتظار إدارة الأزمة ريثما يجد المجتمع الدولي حلولاً لها؟
لا شك أن انتقال السفيرتين دوروثي شيا وآن غريو إلى الرياض أمس وفق جدول الأعمال المزدوج الذي أعلنتاه، أي السعي لتسريع قيام حكومة وفق مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون، وتقديم المساعدات الإنسانية لبلد أقرب إلى الاحتضار، هو بحد ذاته نقلة غير مسبوقة في جهود الدولتين العظميين حيال لبنان، وفي سعيهما إلى انخراط سعودي أكثر فعالية في البلد.
انطباع بعض الأوساط اللبنانية المواكبة لحركة الرئيس المكلف زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري، بأن العواصم الكبرى لم تعد متمسكة بحكومة وفق المقاييس التي طرحتها المبادرة الفرنسية، وأنها لم تعد تصر على بقاء الحريري إذا اختار الاعتذار، لأنها وصلت إلى قناعة باستحالة حصول تعايش بينه وبين العماد ميشال عون وفريقه، وباتت تحصر همها بقيام حكومة مرحلية تؤمن هدفين: إجراء الانتخابات النيابية في موعدها والتفاوض على برنامج تعاف اقتصادي مع صندوق النقد الدولي. وفي الانتظار تجييش المجتمع الدولي للمساعدة على خفض أضرار الانهيار والتخفيف من قوة “السقوط الحر” الذي يتجه إليه حالياً، لا أكثر.
ومع أن السفيرتين تحدثتا عن حكومة بمواصفات مبادرة ماكرون، بقي السؤال عما إذا كانت هي المحاولة الأخيرة، أم أنه تكرار للمطلب رفعاً للعتب، لأن المجتمع الدولي فقد الأمل من الطبقة السياسية سواء كانت حاكمة أم خارج الحكم، (مع استثناءات قليلة جداً)، فإن الاتجاه نحو حكومة “الكيف ما كان” للإشراف على الانتخابات يشمل غض النظر عن صيغة التكنو سياسية، مع عدم الممانعة في أن يكون لـ”حزب الله” وزراء أصدقاء فيها شرط عدم تسلمهم حقائب حساسة، لن تتعاطى الولايات المتحدة الأميركية معها من جهة ولتجنب حجب المساعدات عنها من جهة ثانية. وتجربة حسان دياب ولّت.
أحد مخارج الجانبين الأميركي والفرنسي للخروج من صيغة الاختصاصيين غير الحزبيين، هو تسمية الحريري رئيس الحكومة البديل، لكن الأمر لم ينجح حتى إشعار آخر بسبب رفض الفريق الرئاسي تسميته الرئيس نجيب ميقاتي، ولأن “حزب الله” الذي كان يفترض أن يسهل قبول حليفه الفريق العوني بهذا الحل، عجز عن ذلك، مثلما عجز عن مساعدة الرئيس نبيه بري.
لم يعد من حجة أمام الحزب في حملته على التحرك الدولي حيال لبنان ووصفه بـ”الانتداب” في وقت يتراوح أداؤه بين الفشل بإقناع حليفه العوني بالمخارج، وبين تمريراته للحليف منذ بداية الأزمة، كي يتولى العرقلة نيابة عنه.
عاد “حزب الله” إلى واجهة التعطيل سواء نتيجة الفشل في إدارة الأزمة، وعجزه عن تلبية وعوده بإراحة جمهوره عن طريق أفكار “الاتجاه شرقاً”، أو نتيجة رميه المتعمد لتعطيل الحكومة على حليفه الرئاسي، لاستخدام الفراغ ورقة تفاوض على الوضع الإقليمي بموازاة التعقيدات التي تظهر في مفاوضات فيينا خلافاً لتسريبات التفاؤل بقرب انتهائها. وربما كان ذلك أحد مبررات اعتذار الحريري. وسواء صح نفي الحزب لاتهامه بالعرقلة أم لا فإنه وضع نفسه في موقع تعطيل قيام الحكومة، في حملته المستمرة على الانخراط الدولي في شأن الحكومة أو في شأن المساعدات. فلا اقتراحه استيراد البنزين من طهران صدق، ولا بطاقة “السجاد” أعفت مناصريه من الضيقة، ولا الاتجاه شرقاً حصل وسط الشروط الاستثمارية الصينية، فيما الجانب الروسي اكتشف مدى خطأ تشجيع بعض اللبنانيين له على إنشاء شركات تشكل غطاء لأخرى روسية خاضعة للعقوبات، ما حوّل الوعود إلى سراب.
النتيجة أن معاناة اللبنانيين ستتواصل فصولها، وسقف التدخل الدولي في انتظار بلورة خطة إنقاذ سياسية، لا اقتصادية (فقط) للدول النافذة هو المساعدات الإنسانية في انتظار الانتخابات.