المجتمع الدولي يتخلّى عن الحريري ويدفع لتسوية من دونه
بات رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري أكثر من اي وقت مضى خارج المعادلة السياسية المقبلة. فهو وان كان يعوّل على فرصة اخيرة تكمن في امكانية ان تكون سفيرتا واشنطن وباريس في لبنان خلال زيارتيهما الى الرياض تسعيان لاسقاط «الفيتو» السعودي عن اسمه، الا انه يدرك ان احتمالا مماثلا يبدو مستبعدا تماما، خاصة بعد اكثر من اشارة فرنسية واميركية وصلته مفادها بأن هناك قرارا اتخذ بالتخلي عنه.
وتشير المعطيات الى ان المجتمع الدولي وصل الى قناعة بعدم جدوى الاستمرار في دعم الحريري ما دامت المملكة العربية السعودية، الطرف المفترض ان يكون شريكا اساسيا بانتشال لبنان من المستنقع، ترفض حتى مجرد التعاطي معه. وبحسب المعلومات يتركز البحث حاليا عن شخصية تخلف الحريري وتدير مرحلة الانهيار للحد من الخسائر كما مرحلة الانتخابات المقبلة، وهو ما دفع السفيرتين دوروثي شيا وآن غريو الى زيارة السعودية لحثها على التعاون في هذا المجال ووضع حد لسياسة اللامبالاة ومقاطعة لبنان.
واذا كان البعض يقرأ بالحراك الفرنسي- الاميركي استنفارا دوليا لتفادي السقوط المدوي للبنان وتلافيا لانفجار امني مقبل، خوفا من موجات هجرة غير شرعية لبنانية وسورية وفلسطينية الى اوروبا، تتعاطى مصادر مطلعة على جو حزب الله بارتياب مع هذا الحراك معتبرة انه غير مسبوق شكلا، ويُعدّ سابقة في العمل الديبلوماسي، خاصة ان للدولتين الاميركية والفرنسية سفراء في الرياض. وتنبه المصادر الى «سعي لاستحداث مجلس وصاية دولية على لبنان لفرض اجندات معينة»، مرجحة ان يسبق ذلك «عبث بالوضع الامني لتبرير السير بمجلس مماثل».
وينطبق القلق على «التيار الوطني الحر» الذي لا يستبعد ان يكون هناك عمل على سيناريو تخريبي لفرض وقائع دولية محددة. وتلفت مصادره الى انه «بعد الليونة التي ابدتها قيادة التيار والموافقة على منح الثقة لحكومة يرأسها الحريري بعد أخذه بملاحظات الرئيس عون، بات واضحا تماما ان الرئيس المكلف لا يريد التشكيل، وان مشكلته في السعودية، والا لماذا تزور السفيرتان الاميركية والفرنسية الرياض بمسعى لحل ازمة لبنان؟» وتضيف المصادر «رغم ان الصورة اصبحت بهذا الوضوح، الا ان الحريري لا يزال يصر على تحميلنا مسؤولية عدم التشكيل، وهو امر بات مضحكا مبكيا في آن، خاصة ان بعض انصاره مقتنعون بروايته ويرفضون رؤية المشهد بكليته». وتعتبر المصادر ان «الحريري يقترب من نسف مستقبله السياسي بالكامل، فمن كان يدعمه عربيا ودوليا تخلّى عنه وقاعدته الشعبية اصبحت في مكان آخر».
وبمقابل القلق العوني مما يتم طبخه دوليا، يمكن رصد بعض الارتياح لوصول الامور الى مرحلة الحسم. اذ يدرك العونيون ان العهد استنزف لدرجة سيكون من الصعب جدا تلميع صورته من جديد ولو بالحد الادنى بغياب اتفاق وتسوية دولية كبيرة تؤدي الى دخول مليارات الدولارات الى لبنان للنهوض بالبلد من جديد. فالقيادة العونية التي كانت تعوّل بالاعوام الماضية على اتفاق داخلي لبناني يؤدي لتسيير امور اللبنانيين بغض النظر عن الرضا العربي والدولي، لمست لمس اليد ان الحصار الخارجي من شأنه ان يعيد البلد مئات السنوات الى الوراء خاصة انه يقوم على الخدمات لا على قطاعات انتاجية امعنت الحكومات المتعاقبة في ضربها.
اذا هي ايام حاسمة سواء لجهة تحديد مصير الملف الحكومي او مصير لبنان ككل، وما اذا كنا على موعد مع ارتطام موجع او تسوية دولية تحد قدر الامكان من تداعيات هذا الارتطام وتجعله سلسا.