تفادياً للدخول في مماحكات سياسية مع الإسلاميين، اخترت لهذه المقالة نصوصاً واقتباسات من منشورات حزبية، وهي موثقة في كتابي، أحزاب الله، وتبين بوضوح لا يرقى إليه شك، أن منطلقاتهم النظرية مشتقة من مفاهيم عن الوطن والدولة والديموقراطية والعلمنة سابقة على قيام الأوطان الحديثة لا تعترف بغير الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية، بصيغتيها، الخلافة أو ولاية الفقيه.
حزب التحرير، ولاية مصر وليبيا، يحرّم الديموقراطية والرأسمالية تحريماً تاماً وقاطعاً، لأن الديموقراطية، في نظره، نظام كفر، وهي من تسويق الغرب الكافر في بلاد المسلمين ويعترض على وثيقة الأزهر بخصوص مدنية الدولة، كما أنه يعمل على إنقاذ الأمة الإسلامية وتحرير ولاياتها من أنظمتها ومن سيطرة الدول الكافرة عليها، ومن أبى الطاعة وحجب البيعة وجب فيه الجهاد. من كتاب لحزب التحرير، ولاية مصر وليبيا.
حزب التحرير في ولاية لبنان لا يعترف بلبنان، بل يرى أنه صنيعة التدخل الأوروبي في شؤون البلاد الإسلامية، وبخاصة في جبل لبنان، في القرن التاسع عشر، وأن الكيان اللبناني المعروف اليوم لم يكن له وجود في أية حقبة قبل عام 1920، إذ كان قبل هذا التاريخ جزءاً من المنطقة المحيطة به، وأن معظم سكان لبنان رفضوا إنشاء الكيان والانفصال عن المحيط.
يرى حزب التحرير أن لبنان كيان مصطنع، ويلتقي بذلك مع الأحزاب القومية على تحميل اتفاقية سايكس بيكو مسؤولية تجزئة المنطقة، بعد أن كانت فرنسا قد أعدت مشروعاً لتقسيمها إلى خمس دويلات على أساس طائفي منها دولة للموارنة وأخرى للعلويين وثالثة للدروز. لكن هذا المشروع فشل، اللهم إلا ذاك المتعلق بلبنان، حيث أقدمت فرنسا في الأول من أيلول عام 1920 على إعلان دولة لبنان الكبير على لسان الجنرال غورو الحاقد على المسلمين. ثم يستنتج الحزب أن اللبنانيين لا يشكلون شعباً، فهم ليسوا سوى مجموعة من الطوائف أو القبائل، إذ كل طائفة تشكل مجتمعاً منفصلاً عن الطائفة الأخرى، وأن المستعمر هو الذي “اخترع” أطروحة الوطن والوطنية، وحرفوا معانيها لتدل على الكيانات التي ولدتها مؤامراته، بعد أن كان الوطن يعني، على ذمة القاموس المحيط، “منزل الإقامة ومربط الغنم”، وبالتالي فإن الحل الجذري للأزمات المتناسلة في لبنان لا يكون بالدولة المدنية ولا بالدولة العلمانية، فهما مستوردان من الاستعمار، بل بإعادة لبنان إلى حضارة الإسلام، ذلك أن الحضارة الإسلامية وحدها تملك طريقة متكاملة للعيش بديلة عن طريقة العيش الغربية.
في موضوع العلمنة لجأ الإسلاميون إلى دفوع شكلية كقولهم انه لا كنيسة في الإسلام، وأن العلمانية أمر يخص الغرب المسيحي وحده، وإلى نصوص غير مسندة من الحديث الشريف وإلى تأويلات مغلوطة للنص القرآني، منها الحديث المزعوم، العلماء ورثة الأنبياء ومنها تحريف القراءة في الآية السابعة من سورة آل عمران التي تنص على أن اللّه وحده يعلم تأويل القرآن أما الراسخون في العلم فيعلنون إيمانهم من غير ما حاجة إلى تأويل، فيقرأونها مجتزأة لكي يضفوا على دور رجل الدين بعضاً من القداسة يتسلحون بها لتكفير معارضيهم.
في كتابه، “حزب الله” والدولة في لبنان، يلتقي النائب حسن فضل اللّه مع حزب التحرير على اعتماد المنهج اللغوي في تفسير المصطلح فيقول إن الوطن في اللغة هو دار الإقامة ويطلق عليه مفردات مثل الديار والأرض والقرية والمدينة. وتعني هذه المفردات الوطن كحيز جغرافي ويقرر، استناداً إلى المنهج الدائري وعن طريق الاستدلال، بحسب قوله، أن الدين الإسلامي أقر المفاهيم المفسرة لمعنى الوطن، وبناء على ذلك، فسر كلمة الأرض الواردة في الآية 13 من سورة إبراهيم بمعنى الوطن كما فسر فعل الخروج ومشتقاته الواردة في آيات عديدة، بمعنى النفي من الوطن، مع أن كلمة الوطن لم تذكر في أي من هذه الآيات. ثم يستدرك ليؤكد تعسفه في التفسير فيرى أن الأمر يتعلق هنا بالمعنى الضيق للوطن، أي مكان الإقامة في القرية أو المدينة المتعارفة اليوم، ثم يمعن في تحميل المصطلح من الدلالات فوق طاقته حين يرى أن التفسيرات ساوت بين الخروج من الوطن وخروج الروح من الجسد، أو حين يرى أن الشهيد الأول، محمد بن مكي الجزيني المتوفي سنة 1384 ميلادية قد فضل البقاء في وطنه الأصلي جبل عامل وعدم قبول دعوة أحد أمراء خراسان لتوليته منصب إمام البلاد فيها، مع أن منطقة جبل عامل لم تتشكل كوطن، على امتداد تاريخها، ولم تصبح جزءاً من وطن إلا بعد عام 1943. ثم يفسر حاجة الوطن إلى دولة، وهي تتدرج من التعاون بين إنسان وآخر إلى ناظم للعلاقة بين أفراد الجماعة، تطور(الناظم) وتحول إلى ما يعرف بالعقد الاجتماعي الذي استند إلى قواعد جعلت منه كياناً سياسياً عرف باسم الدولة. هذا الناظم الذي تنبثق عنه سلطة بدءاً من العائلة الصغيرة فالعائلة الكبيرة داخل أي جماعة بشرية، تطور مع الزمن وصولاً إلى مفهوم الدولة المعاصرة، العقد الاجتماعي تحول إلى كيان سياسي، حمل الكيان السياسي اسم الدولة.
في كتاب يحمل عنوان “حزب الله” يقول الشيخ نعيم قاسم حرفياً، ان ما عجز عنه الاحتلال خلال عدوانه يمكن تحقيقه من خلال ذريعة الفتنة وإرسال الجيش اللبناني إلى مناطق التماس في الجنوب، ليمنع المقاومة من استمرار عملياتها، فتحصل إسرائيل على الضمانات الأمنية التي تريدها. إن الحجج التي ساقها فريق من اللبنانيين لإرسال الجيش إلى الجنوب لم تكن مقنعة ولاتتناسب مع نتائج الانتصار، وأن رفض نشر الجيش اللبناني إجراء حكيم يؤيده “حزب اللّه” ويعتبره علامة قوة لمصلحة الدولة اللبنانية
أدبيات الحزب ترى أن مواجهة النظام اللبناني حتمية لكونه صنيعة الاستكبار العالمي وجزءاً من الخارطة السياسية المعادية للإسلام ولكونه تركيبة ظالمة في أساسها لا ينفع معها أي إصلاح أو ترقيع بل لا بد من تغييرها من جذورها.
مشروعية الدخول في مجلس نيابي هي قضية من اختصاص الولي الفقيه، والمشاركة في نظام غير إسلامي لا ينسجم مع الرؤية المتكاملة للإسلام، إذ إن تكليف المكلف ينحصر في العمل لإقامة الدولة الإسلامية ونظام الحكم الإسلامي، وفي ما عدا ذلك يجب أن يبقى خارج أطر الأنظمة الوضعية مهما كانت صيغتها. وهو يدخل الندوة النيابية لأن ذلك يعود عليه بمنافع كثيرة، أبرزها الاستفادة من المجلس النيابي كمنبر، وحمل قضايا وهموم الناس والاطلاع المسبق على ما يهيأ من قوانين، وبناء شبكة من العلاقات مع ممثلي المناطق والطوائف، والاعتراف الرسمي بالمقاومة، وحضور وجهة النظر الإسلامية في البرلمان.
رأى صبحي الطفيلي، يوم كان أميناً عاماً، أننا لا نعتبر أنفسنا حزباً لبنانياً بل حزباً إسلامياً، ورأى قيادي آخر أن أولوية الهوية الإسلامية على الهوية اللبنانية ليست مفروضة بالعقيدة الدينية فحسب، بل بالمنطق أيضاً. فاللبنانية لا تستطيع منافسة الإسلام على ولاء المسلم في لبنان لأنها ليست أكثر من تعبير جغرافي، بينما الإسلام تعبير ثقافي وفكري وسياسي يتخطى الجغرافيا. ورأت إحدى الباحثات أن “حزب اللّه” يردد صدى تصور الإمام الخميني لإقامة دولة إسلامية كواجب ديني، وأن على جميع الدول في المنطقة أن تتوحد لتشكيل دولة إسلامية شاملة كلياً يكون لبنان جزءاً أصيلاً فيها، وإذا لم يحدث، يجب إقامة جمهورية إسلامية ضمن الحدود اللبنانية استباقاً لظهور المهدي.
(مقاطع من كتابي «أحزاب الله»)