Site icon IMLebanon

نمر من ورق

 

قمة المهزلة عندما يحمِّل الحاكم بأمره الدولة والمؤسسات الأمنية التي كانت لزوم ما لا يلزم حتى تاريخه، مسؤولية ملاحقة الذين هتكوا هيبته ويطالبها بإلقاء القبض عليهم ومحاسبتهم.

 

ماذا عن فائض القوة؟ ولِمَ أصبح هذا الفائض نمراً من ورق؟

 

فما شهدناه منذ واقعة خلدة، مروراً بالقطيعة التي تجلَّت في الرابع من آب بين المدجنين من أهل المنظومة وبين اللبنانيين الرافضين لها ولمن يتحكم بها، وليس إنتهاءً بمفاعيل أحداث شويا، يؤكد أن الخطاب للداخل، فقط للداخل ليستمر في تصديق كل ما يقال له، وذلك بهدف تهدئة البيئة الحاضنة الخائفة من إنهيار الأسطورة وطمأنتها إلى أن فائض القوة لا يزال فعالاً، وأن التفلت من العقاب بعد القضاء على هذه الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية، لا يمكن أن تقوضه النقمة الشعبية على المحور وذراعه اللبناني.

 

فما شهدناه، يدعم كل الأدلة التي تؤكد أن ما يجري اليوم هو تصدّع لفائض القوة الذي تحول نمراً من ورق.

 

وأبناء البيئة الحاضنة المفروض طمأنتهم لضمان انصياعهم، ممنوع أن يصدقوا أن هناك من يصرّ على إنتهاء حقبة الإفلات من العقاب، تماماً كما صدقوا طوال الأعوام الماضية أنه ممنوع على أي جهة أمنية أن تتدخل عندما تنفجر “قارورة غاز”، قبل تنظيف المكان وإزالة الأدلة الجنائية وتحويل ساحة الإنفجار إلى جلسة “أركيلة” وشاي، ومن ثم دعوة الإعلام إلى التصوير وإستصراح المواطنين الآمنين في ظل حاميهم.

 

لذا يصبح مثيراً للتساؤل هذا التوجه إلى السلطات الرسمية، لمطالبتها بإلقاء القبض على من يصنِّفه الحاكم بأمره مذنباً وخائناً او عميلاً متآمراً أو إبن عصابة وقاطع طرق.

 

والمثير أكثر أن الدولة بمؤسساتها هي في قبضة سلطة الحاكم بأمره. والا لما كان ما حصل في خلدة كمين، ولما تم إطلاق سراح الأشخاص الأربعة الذين قاموا بإطلاق الصواريخ في شويا بعد ضبط راجمة صواريخ بحوزتهم، تمت إعادتها إلى أصحابها لتبقى في الحفظ والصون وتتبختر فقط لطمأنة الخائفين.

 

ولما خصص المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان القسم الأكبر من رسالة شهر محرم ورأس السنة الهجرية للرد على البطريرك الماروني المطالِب بحياد لبنان، كل لبنان، ليؤكد أن “الجيش لن يكون لا اليوم ولا غداً إلا شريكاً للمقاومة”، وذلك لمواجهة “مشروع دولي – إقليمي، وظيفته تبييض إرهاب تل أبيب واحتلالها لفلسطين، ويجب أن يكون لبنان جزءاً منه، وعضواً من هويته الجديدة”.

 

طبعاً، فنغمة مواجهة إسرائيل لا تزال المشجب الصالح، وربما الوحيد للتمويه والتغطية على تحويل لبنان صندوق رسائل صاروخية، وللهروب من موجات الفشل المتلاحقة في توفير الأمن الغذائي والإجتماعي لهذه البيئة.

 

ولكن من يتوقف ليفكر لحظة، ويقارن بين تبييض إرهاب إسرائيل وتسويد عيشة البيئة الحاضنة وكل البيئات اللبنانية، سيخاف حتماً من الأفكار التي قد تراوده، وتحديداً إذا كان جالساً في العتمة، أو إذا وقف في طابور أمام محطة وقود، أو إذا عجز عن شراء علبة حليب لطفله الرضيع او دواءً لوالده المريض.

 

حينها تصبح المقارنة وبالاً عليه، فيسارع إلى إطفاء محركات أفكاره ويبحث عن قطعة كرتون ليستنجد بهوائها حتى لا يختنق.

 

من الآخر: ربما لا يزال الفرج بعيداً، لكن الأكيد أن فائض القوة، من دون الدولة التي أبادها بمؤسساتها، صار نمراً من ورق تمزقه رياح الغضب.