Site icon IMLebanon

كي لا تضيع تضحياتها والدماء الذكيّة لبننوا المُقاومة 2/2

 

الكِيانُ الإسرائيلي يَستشعِرُ خَطَراً كِيانيَّاً وجودِيَّاً حَقيقيَّا، وبخاصَّةٍ بعد تَعزيزِ إيران لكُلٍّ من حِزبِ الله وحَرَكَةِ حَماس في الدَّاخِلِ الفِلسطيني بخُبُراتٍ وإمكاناتٍ عَسكرِيَّةٍ ولوجِستِيَّة هامَّة، هذا بالإضافَةِ إلى الخَطَرِ الأساس الكامِنِ في سَعي إيران لامتلاكِ سِلاحٍ ذَرِّي بعد أن نجَحَت في الوصولِ إلى خُبُراتٍ فَنِّيَّةٍ نَوويَّةٍ لا يُستهانُ بها على الأقلِّ في مَجالِ تَخصيبِ مادَّةِ اليورانيوم. لذا لم يألُ مسؤولوه جُهداً إلاَّ وبذلوه لحَضِّ دُوَلِ العالَمِ على وَقفِ البَرنامَجِ النَّووي الإيراني، وقد بادرَ هذا الكِيانُ بل نَجَحَ في الوصولِ إلى المُنشآتِ حيثُ تُجرى عَمليَّاتُ التَّخصيبِ  لمُتابَعَةِ تَطوُّرِها، وتَخريبِ البَرنامَجِ، إلاَّ أن هدفَ إسرائيلِ الأولِ كان ولا زالَ تَدميرُ البَرنامَجِ عن بِكرَةِ أبيه بمُنشآتِهِ وتَجهيزاتِهِ وبرمَجيَّاتِهِ، وقد أُجرت في هذا السِّياقِ تدريباتٍ على قَصفَهِ بالطَّيران.

 

إسرائيلُ مُصمِّمةٌ على التَّخلُّصِ من هواجِسِ البَرنامَجِ النَّووي الإيراني، إلاَّ أنَّها تَعي أن ضَربها للمَفاعِلِ النَّووي الإيراني قد يَجرُّها إلى حَربٍ مع إيران لن تكونَ سَهلَةً بل مُكلِفَة، ولن يكون بمَقدورِها مُنفَرِدَةً خوضَ غِمارِها من دونِ غَطاءٍ ومُشارَكَةٍ أميركيَّةٍ لوجودِ حزب الله وحماس في تماسٍ مع خاصِرَتَيها، ورُبَّما يَستدعي الأمرُ تَدخُّلاً عَسكريَّاً أميركيَّاً وغَربيَّاً حاسِماً للمَعرَكَة، الأمرُ الذي تُحاوِلُ الإداراتُ الأميركِيَّةُ المُتعاقِبَةُ التَّهرُّبَ من تَجَرُّعِ كأسِه.

 

لقد هلَّلَ القادَةُ الإسرائيليون لفَشلِ المُفاوضاتِ الأميركِيَّةِ الإيرانيَّةِ الأخيرَةِ أو لِعَدَمِ وصولِها إلى حَلٍّ شامِلٍ، بل لطالما سَعوا إلى التَّقليلِ من جَدوى التَّفاوضِ مع إيران، باعتِبارِه يَمنَحُ الإيرانيين المَزيدَ من الوَقتِ الذي قد يُمكِّنُهُم من امتِلاكِ قُنبلَةٍ ذَرِّيَّة، والتَّهديدِ باستِعمالِها فيما لو تَعرَّضوا لحَربٍ حَقيقيَّةٍ تستهدِفُ تقويضَ النِّظام. هذه المُفاوضاتُ التي أرادَ منها الأميركيون تَحقيقَ المُرتَجى من دونِ الغَوصِ في حَربٍ مُكلفَة، أرادَ منها الإيرانيونَ تَقطيعَ الوَقتِ أوَّلاً، ورَفعَ العُقوباتِ ثانياً، والنَّفاذَ ببرنامَجِهِم النَّووي ولو لأغراضٍ سِلمِيَّة.

 

ثمَّةَ سؤالٌ يَطرحُ ذاتُهُ ويتمحورُ حولَ معرِفةِ أين العَربُ من كُلِّ ما جَرى ويَجري؟ وأين موقِعُهُم من القّضِيَّة الفلسطينِيَّةِ الأم؟ لقد وَقَفَت مُعظَمُ الدُّولِ العَرَبِيَّةِ إلى جانِبِ صَدَّام بحَربِهِ ضُدَّ النِّظام الثَّوري الإيراني، وما كان لصَدَّامِ حُسين لَيربَحَ الحَربَ من دونِهِم، ولكِنَّهُم فوجئ قادتُهُم بعَنجَهِيَّتِهِ وصلفِهِ حيالَهُم، وعدائيَّتِهِ التي تُرجِمَت باحتلالِهِ لدَولَةِ الكُوَيت، لذا غَضُّوا الطَّرفَ عن ضَربِهِ وتِقويضِ نِظامِهِ ورُبما موَّلوا الحَملَةَ العَسكرِيَّةَ التي شُنَّت عليه، ولكِنَّهم بعد انهيارِ نِظام البَعثِ في العِراقِ وحَلِّ الجَيشِ العِراقي الذي كان يُوفِّرُ لهُم سَدَّاً مَنيعاً في وَجهِ النِّظامِ الإيراني وطُموحاتهِ التَّمدُّديَّةِ الماثلَةِ في سَعيِهِم لتَصديرِ ثَورَتِهِم إلى الدُّولِ العَربيَّةِ.

 

سَعى المسؤولون الخليجِيون بادئ الأمرِ إلى مُهادَنَةِ النِّظامِ الإيراني، وحاولوا مِراراً عَقدِ تَسوياتٍ مَعه، أو تَهدئةَ الأجواءِ المُتَشنِّجَة وبخاصَّةٍ أبَّانَ ولايَةِ المَغفورِ لهُما خادِمَي الحَرَمين الشَّريفين فَهد وعبد الله من جهةٍ والرَّئيسِ أحمدي نجاد من جهةٍ أخرى، إلاَّ أن شيئاً لم يَحصَل. وترسَّخت لدى دُولِ الخَليجِ العَرَبيِّ قناعةُ بأن إيرانَ تًضمِرُ لَهُم خِلافَ ما تُعلِن ذلكَ لأنَّها في الوَقتِ الذي رَفَعَت العَلمَ الفِلسطيني على السَّفارَةِ الإسرائيلِيَّةِ في طَهران كانت تعِدُّ العِدَّةَ لخَوضِ حَربٍ ضَروسٍ مع العِراق، وفي الوَقتِ الذي اتَّهمَت وتَتَّهِم أميركا بالشَّيطانِ الأكبرِ احتَّلت جَزيرَتي «طُنُب الكُبرى وَطُنُب الصُّغرى الإماريَّتين، وفي الوَقتِ الذي تَدعو فيه لنَبذِ التَّفرِقَةِ أثارَت الفِتَنِ المَذهَبِيَّةِ والإثنِيَّةِ في كُلٍّ من العِراقِ وسوريا ونَكَّلت عَبر الميليشياتِ التي تموِّلُها بالسُّنةٍ في كل من العِراقِ وسوريا وهدَّمت مُدُنَهُم وقُراهُم وهَجَّرتهُم خارِجَ بلادِهم وداخِلِها. وفي الوَقتِ الذي تُعلِنُ عن رَغبَتَها في التَّعاونِ مع الدُّولِ العَرَبِيَّةِ أطاحَت بواسِطَةِ ذِراعِها الحَوثي بنِظامِ الحُكمِ في اليَمن، ولم َتتورَّعَ عن قتلِ الرَّئيسِ علي صالِح، وتَستَمِرُّ في تأجيجِ الحَربِ في اليَمنِ التي تُديرُها بالواسِطَةِ للإستِحكامِ بخاصرةِ المَملَكَةِ العَربيَّةِ السُّعوديَّةِ في اليَمن، وفي الوَقتِ الذي تتوعَّدُ بإزالَةِ إسرائيلِ من الوجودِ تُطلِقُ العَنانَ لِصَّواريخِها ومُسيَّراتِها باسمِ الحَوثيينَ مُستهدِفَةً المَرافِقِ الحَيويَّةِ والمُنشآتِ النَّفطيَّة في المَملَكَةِ العَربيَّةِ السِّعودِيَّة، وفي الوَقتِ الذي تُهدُّدُ بتَدميرِ القواعِدِ الأميركِيَّة في الشَّرقِ الأوسَطِ توحي بأنَّ الرَّدَّ على أيِّ اعتِداءٍ أميركيٍّ سيكونُ عَبرَ ضَربِها لدُولِ الخليجِ العَرَبي.

 

أمَّا بالنِّسبَةِ للقَضِيَّةِ الفِلسطينِيَّةِ والتي لطالما كانت القَضِيَّةَ الأُم بالنِّسبَةِ للعَرَبِ ككُل، وقد بذَلوا في سَبيلها الغالي والنَّفيس، وسقطَ من بينهم آلافُ الشُّهداءِ وصُرِفَت أموالٌ خليجيَّةٌ طائلَةُ للتَّخفيفِ من وطأةِ مُعاناةِ الشَّعبِ الفِلسطيني وإعادَةِ بناءِ البُنى التَّحتِيَّةِ والمَنازِلِ التي كانت تُدمِّرُها الاعتِداءاتِ الإسرائيليَّةِ شِبهِ المُتواصِلَة، وكذلك الأمرُ بالنِّسبَةِ للبنان الذي كان يلقى دعماً مادِّيَّاً ومعنوياً من أشقائهِ الخَليجيينَ في مَعرَضِ صِراعِهِ مع العَدو الإسرائيلي. إلاَّ أن الأمرَ تَبدَّلَ بعدَ أن عَمدت إيرانُ إلى استِقطابِ واستِمالةِ بعضِ الفَصائلِ الفلسطينيَّةِ وفي طليعتِهِم حَماس، ووَفَّرَت لها الدَّعم العَسكريَّ وقلَّبتها على السُّلطَةِ الفِلسطينِيَّة، وأعانَتها على إحكامِ سَيطَرَتَها على الضِّفَّةِ الغَربيَّة، والعملِ على إحداثِ شَرخٍ في السلطة الفلسطينيَّةِ، وبالتالي انقسامِ الشَّعب الفلسطيني، الأمرُ الذي أزعَجَ مُعظَمَ دُوَلِ الخَليجِ ودَفَعَها للإنكفاءِ عن الدَّعم المالي وتَوفيرِ الغَطاءِ السِّياسي.

 

ولَّدت السُّلوكِيَّاتُ الإيرانيَّةُ في المِنطقَةِ المُحيطةِ بالخليجِ العَربي، كما في كُلٍّ من اليمنِ والعِراقِ وسوريا ولُبنان، والتي أعلَنتها إيرانُ صَراحَةً، وعلى لِسانِ أكثَرِ من مسؤولٍ، أنَّها أضحت دُولاً تَدورُ في الفلكِ الإيراني بل خاضِعَةٌ لسيطرتِهِ سِياسِيَّاً وأمنيَّا. شَعرت الدُّولُ الخليجِيَّةُ باخِتلالِ التَّوازُنِ في المِنطَقَةِ لِصالِحِ إيرانَ في ظِلِّ إظهارِ الحَليفِ الأميركي نَزعَةً ابتِزازِيَّةٍ مَقرونَةً بتَخاذُلٍ عسكريٍّ واضِحٍ، تجسَّدَ في عَدمِ تَوفيرِ الحِمايَةِ العَسكريَّةِ الكافِيَةِ لهم. وعلى أثرِ ذلك بادرَت المملكةُ العَربيَّةُ السُّعوديَّةِ إلى تَشكيلِ تَحالُفٍ إقليمي رَكيزتُهُ مِصرُ والسُّودانُ والمَملكَةُ العَرَبِيَّة السُّعودِيَّةُ والإماراتُ العَرَبِيَّةِ المُتَّحِدَة والأردُن البلدُ الذي كان مَلِكُهُ أوَّلَ من نبَّه لما أسماهُ بسَعي إيرانَ لتَشكيلِ هِلالٍ شِيعي، إلاَّ أن هذا التَّحالٌفَ لم ينجَحَ في مَنعِ الاعتِداءاتِ المُتكرِّرَةِ على المَرافِقِ الحَيويّةِ السُّعودِيَّة. استَغلَّت الوِلاياتُ المُتَّحِدَةُ الأميركيَّةُ الوَضعَ للتَّرويجِ لعَمليَّةِ التَّطبيعِ ما بين الدُّولِ المُناوِئةِ لإيرانَ والكِيانِ الإسرائيلي، وكانت دولةٌ الإماراتِ العَربِيَّةِ المتَّحِدةِ أوَّلَ من استجابَ لدعوةِ التطبِّيعِ مع الكيانِ الغاصبِ لفِلسطين، ولحِقَ بها كُلٌّ من البحرين السُّودان والمَغرِب، أمَّا المَملَكَةُ العَرَبِيَّةُ السُّعودِيَّةُ فلا تزالُ ترفُضُ السَّيرِ بهذا الخيارِ المُتهوِّرِ، والذي نرى فيه أنه يَتعارَضُ مع روحِيَّةِ المُبادَرَةِ العَرَبيَّةِ كما مع المِزاجِ الشَّعبي العَرَبي من المَضيقِ إلى الخليج. لأن التَّطبيعَ في هذا الظَّرفِ بالذاتِ أشبَهُ بالإستسلام، وسَيكونُ له حتماً تبِعاتٌ خَطِرَةٌ على وحدةِ الصَّفِّ العربي، وعلى القَضِيَّةِ الفلسطينِيَّة بالتَّحديد.

 

وبالعودَةِ إلى المُمارساتِ الإيرانِيَّةِ وما بَدَرَ منها خِلالَ السَّنواتِ والأشهُرِ الماضِيَةِ ورُبما خِلالَ الأسبوعِ الفائتِ من مُناوشاتٍ مُتكرِّرَةٍ فهي دون أدنى شك تَهدِفُ للإيحاءِ بأن إيرانَ قادِرَةٌ على تَعطيلِ حَرَكَةِ المِلاحَةِ البَحريَّةِ في الخليجِ العَرَبي وأنها لقادرةٌ على التَّحكُّمِ بمَضيقي هرمز وباب المَندِبِ بالتَّحديد، ما هي إلاَّ مُحاولاتٌ لتَفادي الحَربِ عليها أو تأخيرَ اندلاعِها، وإن كانَت السُّلوكِيَّاتٌ، التي دَرجَت إيرانُ على اعتِمادِها  مُنذُ إثارَةِ إشكالِيَّةِ برنامَجِها النَّووي، تندَرِجُ ضِمنَ إطارِ اللَّعبِ على حافَّةِ الهاوِيَةِ، وإن نجَحَت إلى حَدٍّ كبيرٍ في تَحقيقِ أغراضٍ آنِيَّةِ لها بالإضافةِ إلى بَعضِ المُكاسِبِ التَّكتِيَكيَّة، إلاَّ أن لهذا المَنهَجِ مَخاطِرَهُ غيرِ المَحسوبَة، إذ رُبَّما تؤدي خَطوةٌ ناقِصَةٌ إلى عَواقبِ وخيمَة. وهذا ما يَدفعُنا للتَّحذيرِ من مَغبَّةِ التَّمادي في هذا الأسلوب. كما دعونا للامتِناعِ عن توجيهِ رَسائلَ مُباشِرَةٍ على غِرارِ الاعتِداءاتٍ الأخيرَةِ التي اَستَهدَفَت سُفُناً مَدنِيَّةً في الخليجِ العَربي، أو بالواسِطَةِ عبرَ تحرُّشاتٍ من الأذرُعِ الإيرانيَّةِ  في أيٍّ من لُبنان أو العِراقَ أو اليَمنِ أو سُوريا، لأن الألاعيبَ أضحَت مَكشوفَةً على أنها  مُجرَّدَ مُحاولاتٍ إيرانيَّةٍ للضَّغطِ على المُجتمعِ الدَّولي، والولاياتِ المُتَّحِدةِ أكثرِ من غيرِها  لدفِعِها إلى طاولةِ التَّفاوضِ مُجدَّداً بعدَ أن أوشكت على أن تصِلَ إلى طَريقٍ مَسدود.

 

خَشِيَت إيرانُ من ارتِفاعِ وتيرَةِ رَدَّاتُ الفِعلِ الدَّولِيَّةِ على اعتِداءاتِها البَحريَّةِ الأخيرَةِ التي استَهدَفت سُفُناً مَدنِيَّة، وتوجِّست من اتِّهامِها مُباشَرَةً من بعضِ الدُّولِ الغَربِيّةِ بأنها تَقِفُ خلفَها، ومُطالبتَهُم بتَحميلِها المَسؤولِيَّة، لِذا أوعَزَت إلى أعوانِها في لبنان (حزبُ الله أو من يَدورُ في فَلَكِه) بإطلاقِ رُزمَةٍ من الصَّواريخِ باتِّجاهِ الأراضي الفِلسطِينِيَّةِ المُحتلَّة بغَرَضِ حَرفِ الانتِباهِ عَمَّا جَرى في الخَليجِ العَربي أو التَّخفيفِ من وطأةِ ردَّاتِ الفِعلِ الدَّوليَّ على إيران،  خاصَّةً وأنه يمكنُ توصيفُ الاعتِداءاتٍ على السُّفنِ بأعمالٍ إرهابِيَّة دَوليَّةٍ، وكان لإيران ما املت، إذ أُطلِقَت صواريخُ مَجهولَةُ المَصدَر؛ ليأتي الرَّدُّ الإسرائيليُّ سريعاً بغاراتٍ جَوِيَّةٍ، على خلالف المألوفِ منذ عدَّةِ سَنوات، وتلى ذلك رَدٌّ على الرَّدِ بإطلاقِ حِزمَةٍ أُخرى من الصَّواريخَ  …ليستتبعَ هذه المرَّةِ بقَصفِ إسرائيلي ولكن مَدفَعي، فبدى الأمرُ وكأنّ الطَّرفينِ يردَّانِ خجلاً أو حِفاظاً على ماءِ الوَجْه، لكونهما غيرَ راغبَينِ في تَصعيدِ الوَضعِ وتَطويرِ حَلقَةِ الإشتِباكِ إلى صِراعٍ مُسلَّحٍ شامِلٍ، وقد بدت عَدمُ رَغبةِ أيٍّ من الفَريقينِ في التَّصعيدِ بما تضمَّنَهُ بيانُ كُلٌّ منهُما «إن الصَّواريخِ والقَصفِ قد استَهدفَا أماكِنَ مَفتوحَة»، وأنَّ أضرارَها اقتَصَرَت على المادِّيَّاتِ ولا إصاباتٍ بَشَرِيَّة.

 

وهذا ما يؤكِّدُ أنه لا يُمكِنُ فَصلُ ما حَصَلَ عبرَ الحُدودِ اللبنانيَّةٍ – الفلسطينيَّةِ في اليومينِ الأخيرينِ عمَّا يَحصَلُ في الخليج، كما عن المُفاوضاتِ حولَ الملفِ النووي الإيراني والتي يبدو أنَّها ستَتَجدَّد قريباً. ورغمَ ذلك نرى أن الأمورَ في حالِ تِكرُّرِها قد تفلُتُ عن السَّيطرَة، وعليه نرى أنَّه لم يَعُد من الجائزِ أن تبقى السُّلطاتُ اللبنانِيَّةُ غائبَةٌ عن مُجرَياتِ الأحداثِ، ورُبما الأصَّحُ هو أنَّها غيَّبَت نَفسَها، فأكَّدَت المُؤكَّدَ أمامَ المُجتمعِ الدَّولي كاشِفَةً عن  تَقصيرِها وعَجزِها، وبَدى وكأن الدَّولةَ اللبنانيَّةَ على خِلافِ توجُّهاتِ الرَّأي العامِ لديها غيرُ راغِبَةٍ في القِيامِ بأدنى واجِباتِها في إحكامِ سَيطَرَتِها على أراضيها. وكأن قدرُ اللبنانيينَ أن يكونَ ملاذُهم مقتصراً على الرَجاءِ الإلهِيِّ بألاَّ تُعادُ الكَرَّةَ خِشيةَ إقحامِ لبنانَ في أتونِ حَربٍ لا ناقَةٌ له فيها ولا جَمَل، خاصَّةً وأنَّهُ فيما لو حَصَلَ ووقَعِتِ الواقِعَةُ قد لا يَجِدَ لبنانُ من يَمُدَّ لهُ يَدَ العَونِ لإصلاحِ ما قد تُدمِّرُه الحَروبُ العَبثيَّةُ في ظِلِّ قُصورِ الدَّولَةِ اللُّبنانيَّةِ عن القِيامِ بأدنى واجباتِها السِّيادِيَّة، وعدَمِ قَدرَتِها على لَجمِ التَّهوراتِ والتَّعرُّضِ لرموزِ دُولٍ شَقيقةٍ عُرِفوا بوقوفِهِم إلى جانبِ لبنان إبَّانَ المِحَن، وإخفاقِها في حَصرِ قَرارَي الحَربِ والسِّلم بمؤسَّساتِها الدُّستورِيَّة.

 

ونخلُصُ للقولِ بأننا حَضيضونَ كلبنانيينَ عامَّةً بإنجازاتِ المُقاومَةِ، وحَريصونَ على عَدَمِ إضاعَةِ  تَضحياتِها، أو التَّقليلِ من شأنِ الدِّماءِ الذَّكِيَّةِ التي بُذِلَت في سَبيلِ تَحريرِ الأرضِ اللبنانيَّةِ من نجَسِ الاحتِلالِ الاسرائيلي، وعليهِ ندعو من يَعنيَهُم الأمرُ، وحِفاظاً على وِحدَةِ الصَّفِّ اللبناني، ونتوجَّهُ إليهم صادِقينَ مُنادينَ بأن لَبنِنواِ المُقاوَمَةَ بتَطلُّعاتِها وأهدافِها وسُلوكِيَّاتِها.

عميد مُتقاعد، دكتوراه في القانون