Site icon IMLebanon

الإستراتيجيّة السياديّة

 

 

نضيف اليوم مصطَلَحاً جديداً في علم السياسة لم يتمّ استعماله من ذي قبل، أو بالحدّ الأدنى إن استُعمِلَ في مكان ما، إلا أنّه لم يتمّ إسقاطه على الواقع اللبناني السياسي حتّى الساعة، لأنّ القضيّة اللبنانيّة لم تتمّ مقاربتها من وجهة النّظر السياديّة استراتيجيّاً، بل تمّت مقاربتها على أنّها مجرّد أزمة يمكن التغاضي عنها أو تأجيل حلّها إلى حين انجلاء الأمور. ومن هذا المنطلق يأتي تحديدنا للإستراتيجيّة السياديّة كاستراتيجيّة أساسيّة لا تقوم الأوطان من دونها.

 

السيادة بشكل عام هي ركن أساسي، لا بل هي الركن الأساسي الذي تقوم على أساسه الدّول المستقلّة. وهذا ما يميّز الدّولة عن الإقليم أو الولاية أو الكانتون أو المقاطعة. ففي الأنظمة المركّبة تركيباً اتّحاديّاً السيادة المطلقة تكون للسطة المركزيّة في القضايا الاستراتيجيّة، على أن تبقى سيادة السلطة المحليّة سيادة إداريّة أو حتّى تنظيميّة. ويفقد الكانتون سيادته أمام سيادة الدّولة كليّاً في حالات الطوارئ والخطر.

 

من هنا، إذا نظرنا إلى القضيّة اللبنانيّة من الناحية السياديّة نجد أنّ “حزب الله” وضع نصب عينيه عمليّة قضم السيادة على قاعدة قضم الجرذ، حتّى ينجح بتحويل الدّولة اللبنانيّة إلى ولاية تحت سلطة الوليّ الفقيه في إيران. وذلك تماشياً مع قناعاته الأيديولوجيّة التي لا يرى فيها أيّ وجود للدّولة، بل للأمّة الإثنيّة المذهبيّة الطائفيّة التي يعتبرها ذات امتداد أكبر من حدود الدّول. وعبر مسيرته العملانيّة طوال العقود الأربعة نجح بمخطّطه هذا، حيث استطاع التحكّم بقرار الحرب والسلم أي أنّ الدّولة اللبنانيّة لم تعد سيّدة نفسها في اتّخاذ هذين القرارين المصيريّين على أبنائها جميعهم. إضافة إلى ذلك، السيادة العسكريّة ليست مطلقة بالكامل ما يعني أنّ السيادة منتقصة في الدّولة حيث انتشار عسكر هذه المنظّمة في مناطق ممارسة الحزب لعمله الحيويّ يتقدّم على انتشار المؤسسات العسكريّة والأمنيّة للدّولة. ناهيك عن العمل المخابراتي الذي نجح بالقيام به حفاظاً على حديديّة منظّمته العسكريّة. والشهادات لبعض من خرج من سجونه الأمنيّة كفيلة لتثبيت ذلك. إضافة إلى كيفيّة معالجته للصّوت الآخر في بيئته التي وضعها بنفسه تحت رهاب السلاح غير الشرعي.

 

حتّى من النّاحية الاجتماعيّة يبدو أنّ المنظمة نجحت إلى حدّ ما في بعض المناطق بفرض سيادة اجتماعيّة خاصّة بها من حيث فرض شعائر وطرائق عيش غريبة عن تاريخ الكيانيّة اللبنانيّة بالكامل. يبقى أنّ الاقتصاد كان إلى حدّ ما بعيداً من القضم السيادي. لكنّ اليوم بعد انكشاف عمل المؤسسات النقديّة التي تدعم القروض في مجتمع المنظّمة، فضلاً عن عمليّة استيراد المواد النفطيّة التي طَفَت على الواجهة السياسيّة مؤخّراً، قد ثبّتا أيضاً أنّ القضم السيادي قد طال هاتين الناحيتين بالكامل.

 

بناء عليه، تتبيّن أهميّة وضع استراتيجيّة سياديّة تتحدّد بالآتي:

 

– تطبيق الدّستور اللبناني لا سيّما ما يتعلّق بحلّ الميليشيات المسلّحة وأبرزها تلك التي تحوّلت إلى منظّمة أمميّة خدمة لمشروعها الأممي، أعني هنا بالطّبع عن “حزب الله”. ومن دون أدنى شكّ التنظيمات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة التي تملك أجنحة مسلّحة. على أن يحصر العمل في السياسة كما هو حاصل في دول العالم كلّها.

 

– تفعيل دور المؤسسات الأمنيّة والعسكريّة أكثر بكثير لتصبح وحدها سيّدة على كلّ شبر من الأصقاع اللبنانيّة الأربعة.

 

– تشكيل جبهة سياديّة سياسيّة قوامها كلّ مَن يولي السيادة الشأن الأوّل في الدّولة اللبنانيّة.

 

– خوض الانتخابات النيابيّة المقبلة في موعدها تحت إشراف أممي مباشر، وليس مجرّد مراقبة روتينيّة لكتابة التقارير للأمين العام للأمم المتّحدة. على أن يتعالى كلّ مَن ينخرط في الجبهة السياديّة عن أيّ مصلحة خاصّة له على حساب مصلحة الجبهة ككلّ لتحقيق مصلحة الوطن.

 

– إنتخاب رئيس للجمهوريّة أقلّ ما يكون سياديّاً وطنيّاً جبهويّاً بامتياز. تكون المواجهة من أولويّاته وليس الهرب أو التهرّب من حلّ الأزمات عبر دعوة شعبه للهجرة، بل دعوته دعوة صريحة لأبناء وطنه وأمّته اللبنانيّة بأن يؤازروه في الصمود والمواجهة وطرح الحلول التنفيذيّة من ضمن مؤسّسات الدّولة.

 

– تشكيل حكومة لا تدين بالولاء السياسي لأحد، بل ولاؤها سياديّ بامتياز لتستعيد قراري الحرب والسلم من المنظّمة، وتصبح هي صاحبة القرار السيادي بامتياز. وذلك بوساطة إدارتها لمؤسّسات الدّولة الأمنيّة والعسكريّة، تنفيذاً لما يقوله الدّستور في موضوع السلطة التنفيذيّة مع رأس الدّولة اللبنانيّة أي فخامة الرّئيس.

 

– حوار وطنيّ يديره الرئيس والبرلمان المنتخبَين لإعلان تحرير لبنان من الاحتلالات المبطّنة والمعلنة كلّها، وأوّلها الاحتلال الإيراني القابض على زمام السلطة على حدّ ما قال سليماني في العام 2018.

 

إن طُبِّقَت هذه الاستراتيجيّة فعندها لا خوف على تشكيلات قضائيّة، أو محاسبة الفاسدين، او استرجاع المال المنهوب، أوّ أيّ مسألة أخرى. من هنا تتبيّن أهميّة الموضوع السيادي وضرورة مقاربته مقاربة استراتيجيّة بحيث تعود الدّولة لتلعب دورها الحقيقي تحت سقف “الكتاب” أيّ الدستور الذي اتّفق عليه اللبنانيّون جميعهم. وتسقط عندها المحرّمات و”التابوات” كلّها ويصبح البحث في تعديل الدّستور لتطويره مجرّد تفصيل، على أهميّته، يبحثه أصحاب الإختصاص في المكان الذي يجب أن يُبحَثَ فيه، أي البرلمان اللبناني.

 

وعندها أيضاً تصبح مسألة انعقاد مؤتمر دولي لإنهاض لبنان حاجة دوليّة أكثر من كونها حاجة محليّة. كذلك موضوع إعلان حياد لبنان، لاجتثاثه من هلال الإرهاب الممتدّ من طهران إلى بغداد والشام حتّى بيروت، يصبح هذا الموضوع حاجة أمميّة ليلعب لبنان دوره كوطن الرسالة بين الأوطان جميعها في منطقة يبدو أنّها ستكون محور العالم في القرن الحالي بعد أن غوّزتها الثروات الطبيعيّة. وإن لم نتّعظ بعد مِن تجارِب الآخرين، فمن الغباء الانتظار أكثر حتّى الاتّعاظ من تجاربنا الخاصّة في هذا الوطن الذي قد تكلّفنا كيانيّته بالمطلق. ومن له أذنان للسماع… فليسمع !