IMLebanon

«الحزب» والإغتصاب على نية الزواج قسراً

 

«أَلا أَيُّها الظَّالمُ المستبدُّ
حَبيبُ الظَّلامِ عَدوُّ الحيَاهْ
سَخرْتَ بأَنَّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ
وكَفُّكَ مخضوبَةٌ من دمَاهْ
وسِرْتَ تُشَوِّهُ سِحْرَ الوُجُودِ
وتبذُرُ شوكَ الأَسى في رُبَاهْ
رُوَيْدَكَ لا يخدعنْك الرَّبيعُ
وصحوُ الفضاءِ وضوءُ الصَّباحْ
ففي الأُفُق الرَّحْبِ هولُ الظَّلامِ
وقصفُ الرُّعُودِ وعَصْفُ الرَّياحْ
حَذارِ فَتَحْتَ الرَّمادِ اللَّهيبُ
ومَنْ يبذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ»

(أبو القاسم الشابي)

علي أكبر محتشمي بور أو محتشمي ( 1947-2021) رجل دين إيراني كان من أشدّ الناشطين في الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. أصبح لاحقاً وزير داخلية جمهورية إيران الإسلامية. يُعدّ محتشمي المؤسس الرئيسي لـ»حزب الله» في لبنان، وواحداً من أكثر العناصر الراديكالية في ولاية الفقيه التي تدعو إلى تصدير الثورة من ضمن التسلسل الهرمي الإيراني. قبل أن يصبح وزيراً للداخلية في إيران عام 1986، وعلى الرغم من أهميته السياسية في سلسلة التراتبية لرجال الدين المرتبطين بالخميني، تمّ تعيينه بين 1982-1986 سفيراً لبلاده في سوريا. وهذا دليل على الدور المحوري الذي لعبه هذا الموقع في تلك الفترة المحورية في تاريخ لبنان وسوريا معاً. كما بالنسبة الى إيران التي كانت في الوقت نفسه تخوض معركة حياة أو موت مع عراق صدام حسين.

في حديث صحافي موثق مع محتشمي، تناول فيه دور إيران في الشرق الأوسط، تحدث عن رؤيا ولاية الفقيه الأممية، وعن دورها في حركة التاريخ. عندما وصل الحديث إلى لبنان، وكان ما زال يحترق في أتون الحرب الأهلية، قال «لبنان الآن كتفاحة على غصن شجرة، تنضج ببطئ، ما علينا إلّا أن ننتظر تحتها حتى تسقط في حضننا». محتشمي باعتراف الجميع، كان له اليد الطولى في سلسلة من الأمور التي أفضت في النهاية إلى إنشاء «حزب الله» اللبناني، الذي تحوّل بسرعة أداة فعّالة في يد الحرس الثوري الإيراني، وأهم وسيلة سعت لإسقاط التفاحة التي تحدث عنها محتشمي في حضن إيران.
لو كانت التفاحة نضرة وخضراء، فقد كان من الصعب سقوطها، لكن كل ما زادت الحرارة عليها، أو قُطع عنها الماء، كلما زادت فرص السقوط. من أجل ذلك، فقد كان «حزب الله» رافضاً إنهاء الحرب الأهلية، ومعها اتفاق الطائف. ومن يراجع الأرشيف الموثق يمكنه قراءة التصريحات التي تنعت الاتفاق بالمؤامرة لتثبيت «الهيمنة المارونية على لبنان». للمفارقة، فإنّ الجنرال عون توافق مع الحزب يومها من دون مواعيد، مع أنّ قادة الحزب وصفوه بكونه جزءاً من المشروع الإسرائيلي في لبنان. واليوم لست أدري إن كان تحالف الإثنين هو في الأساس ومن دون ميعاد أيضاً، جزءًا من مشروع إسرائيل في لبنان. فلو أراد العدو فعل ما فعلاه لما تمكن من ضرب فكرة ما كان إسمه لبنان. لكن لهذا الموضوع صلة في مقالات أخرى.
المهم اليوم، هو كيف تمكّن حزب الولي الفقيه من تحقيق رؤيا مؤسسه محتشمي؟ كما قلت، فإنّ السبيل إلى إسقاط لبنان كان بقطع صلاته عن كل ما جعله كما كان. ومع أنّه كما كان أقل من طموح أبنائه، لكن ما جعله قبلة أنظار الشرق الأوسط، أموراً عدة:

ـ أولاً، كانت التعددية الدينية التي فرضت نوعاً من الديموقراطية التي منعت تمدّد أنظمة الحكم المطلق إليه من حوله.
ـ ثانياً، الحرية الشخصية، وإن كانت أحياناً تصل إلى حدّ الفوضى واللامسؤولية، لكنها تحت ظل التعدّد سمحت للفرد أن يمارس حرّيته الشخصية من دون خوف من هيمنة رهاب المجموعة.
ـ ثالثاً، البحبوحة النسبية بالمقارنة مع محيطه، ما عدا إسرائيل.
ـ رابعاً، البيئة والمناخ والمصايف والسياحة والفن والبحر والجبل.
ـ خامساً، التعليم الجامعي والثقافة.
ـ سادساً، الطبابة والمستشفيات.
ـ سابعاً، النظام المصرفي المربوط بالعالم.
ـ ثامناً، كون لبنان صلة وصل ثقافية بين الشرق والغرب.
ـ تاسعاً، الجدل الهزلي في مجلس النواب وقفشات رئيسه المهضومة.
كل ما سبق كان بقي قائماً، وإن في شكل متقطع بالحروب الغبية بين أهل البلد. واليوم، وفي جردة بسيطة، صار كل ذلك في خبر كان، ما عدا ربما جلسات مجلس النواب الهزلية، مع العلم أنّ قفشات الرئيس خفّت بنحو ملحوظ أخيراً، وتحول نواب «حزب الله» إلى مولّدي كهرباء للمجلس، وواعظين للزملاء في العفة وإدارة الملفات. وإن حلّلنا الأمور، بموضوعية مطلقة، وبلا غرضية سياسية أو مذهبية، لكان وراء كل خسارة فادحة مما ذكرت وعدّدت، سبب واحد مركزي وإسم واحد لا يزاحمه أحد على الصدارة، هو «حزب الله»، صاحب صهاريج المحروقات الذاهبة والآيبة من سوريا بنحو مريب، بينما بعضنا يرفع آيات الشكر والعرفان لقاتله، لمجرد أنّه تحنن عليه ببعض المساعدة.

منذ أيام، وأنا أتأمل ما وصلنا إليه، خطرت ببالي بعض الممارسات التقليدية، والتي ما زالت قائمة في السر ضمن بعض المجتمعات، هي قضية الاغتصاب. في ما مضى، كنا نسمع بأنّ فلاناً اختطف فلانة، من ثم اتفقا على الزواج. لم يكن من هم بعمري يفهمون تبعات الاختطاف! عادة، كان الاختطاف يعني الاغتصاب. وكان يعني أنّ سمعة البنت ستلطّخها تبعات الاختطاف مدى العمر. هنا كان يعلم المختطف أنّ نهاية الأمر هو تخيير الأهل بين الدمار المجتمعي أو الزواج، طالما أنّ سمعة البنت تلطّخت. هنا كان كثيرون يلجؤون إلى أهون الشرور، أي تسليم البنت إلى مغتصبها…
لبنان اليوم مخطوف منذ سنوات، ومغتصب مرات ومرات، و»حزب الله» يعلم علم القين الخيارات ما بعد الاغتصاب. فهل لبنان على شفير تسليمه للمغتصبين؟
لا شيء إلّا انتفاضة كبرى في وجه الاغتصاب تنفع اليوم.