Site icon IMLebanon

الفوضى بعد فائض الثقة بالنفس

 

 

الفوضى السياسية والأمنية التي لم يبقَ مسؤول خارجي إلا وحذر اللبنانيين منها، والتي يدرك معظم السياسيين منذ مدة غير قصيرة أن لبنان مرشح لدخولها باتت واقعة بأخطر مظاهرها وتجلياتها. لكن مظاهرها الدموية والعنفية جاءتنا ليس جراء الخلاف على محطات البنزين، أو على معامل تعبئة عبوات الغاز المنزلي، ولا بسبب تفشي الجرائم التي تولدها عمليات السرقة والنشل والتشليح الناجمة عن العوز والفقر والجوع، بل بسبب التعبئة الطائفية والحزبية وانسداد الأفق السياسي في البلد. ولربما يسهّل الفقر والجوع الاستنفارات الطائفية والحزبية أيضاً، لأهداف سياسية بحتة بعيدة كلياً عن تردي الأوضاع المعيشية والحياتية.

 

المؤكد أن البلد دخل مرحلة جديدة على الأطراف الرئيسة فيه أن تراجع حساباتها، حول كيفية التعاطي معها، ولا سيما “حزب الله” وحلفاؤه.

 

حيرة اللبنانيين والمعلقين والسياسيين بين وصف اشتباك الطيونة الدموي بأنه 7 أيار جديد في تذكير بما قام به “حزب الله” في ذلك اليوم من العام 2008 لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ولتعديل التوازن الذي استجد بعد الانسحاب السوري من لبنان، أو 13 نيسان آخر في إشارة إلى إمكان تجدد الحرب الأهلية، أو كان انقلاباً على الدولة ومؤسساتها، تدل إلى الفوضى التي غرق بها لبنان والتي تقوده إلى المجهول حكماً.

 

لكن العبرة مما حصل تتجاوز الخلاف الكبير والجوهري على “قبع” المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار والاتهامات التي وجهها إلى وزراء ونواب، أو حول المخاوف من صدور قرار اتهامي يتهم “حزب الله” بالضلوع في شكل أو في آخر بالانفجار كما يشير بعض قادة الحزب في تبريرهم للتهديد الذي وجهه الحزب للبيطار، أو بالموقف المتشدد لأمينه العام السيد حسن نصرالله وطلبه من مجلس الوزراء تغيير المحقق.

 

قبل الاشتباك بدا الحزب متوتراً ومضطرباً جراء جملة تطورات في البلد وعلى الصعيد الإقليمي، حملته على اتهام أميركا بأنها وراء الأزمة الاقتصادية المالية في البلد من أجل استهداف المقاومة قافزاً فوق خطابه السابق مع حليفه الرئيس ميشال عون عن أن السياسات المالية للـ30 سنة السابقة هي وراء التدهور الاقتصادي والمالي، ومتجاهلاً ما سببه فرضه استخدام لبنان ساحة ومنصة لخوض الحروب مع التباهي بتحوله قوة إقليمية من ضرر متراكم على الاقتصاد ومعيشة اللبنانيين.. كل ذلك تزامن مع تصاعد الضغوط على طهران في سوريا والعراق، التي تحاول التعويض عنها في اليمن باحتلال مدينة مأرب الاستراتيجية من دون أن تنجح، وبقصف السعودية بالمسيرات المفخخة والصواريخ الباليستية، من دون أن تحصد تنازلات منها في المفاوضات الجارية معها في بغداد.

 

قبل اشتباك الطيونة كانت الحملة الداخلية العلنية ومن دون مسايرة أو مهادنة ضد الحزب، تنامت في ظل اتساع تبني مجموعات سياسية شعار إنهاء الاحتلال الإيراني، خلافاً لمراحل سابقة كان بعض القادة السياسيين يتجنبون ذكر إيران لتفادي استفزاز الحزب وإغضابه.

 

فائض القوة الذي اصطنع فائض الثقة بالنفس لدى قيادة الحزب أنتج تراكماً في الممانعة الأهلية لإمساكه بالقرار السياسي ولهيمنته على المؤسسات، لم يعد حليفه الرئاسي قادراً على تغطيتهما، وهو الذي يحتاج إلى استرجاع شيء من الشعبية التي خسرها قبل أشهر من الانتخابات. فمواقفه تتراوح بين الوقوف إلى جانب الحزب في الاصطفاف الإقليمي، والتمايز عنه في العناوين الخاضعة للمزايدات على الصعيد المسيحي، لا سيما بعد انتفاضة 17 تشرين وانفجار المرفأ.

 

اندفاعة الحزب في الأسابيع الماضية، تحت شعار الحملة على مقارعة النفوذ الأميركي في الأجهزة والمؤسسات، أعطت إشارات إلى توجه لدى قادته من أجل إحكام السيطرة على الجيش والقضاء.

 

وهذا يطلق معركة تبدأ بالفوضى ولا تنتهي إلا بها، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.