Site icon IMLebanon

بين انقاذ لبنان وإنقاذ «حزب الله»  

 

تحقّق المطلوب من حكومة برئاسة حسّان دياب، تشكّلت مثل هذه الحكومة ام لم تتشكّل. المطلوب، على ارض الواقع، ابلاغ كلّ من يهمّه الامر ان هناك في لبنان مرجعية تحدّد من هو رئيس الحكومة السنّي، تماما مثلما تحدّد من هو رئيس الجمهورية المسيحي. المطلوب اذلال اهل السنّة في لبنان بعد تهميش المسيحيين وبيعهم وهما. يتمثّل هذا الوهم في انّ في استطاعتهم استعادة ما يسمّى حقوقهم، في بلد تتحكّم به ميليشيا مذهبيّة تتلقّى الاوامر من طهران.

 

كلّ ما عدا ذلك تفاصيل تندرج في لعبة جعل اللبنانيين يتلهّون بمشاكل وحزازات فيما بلدهم انهار عمليا. لا يدلّ على الانهيار الفعلي اكثر من انّ المواطن لم يعد قادرا على التصرّف بامواله المودعة في المصارف. هل من بلد في العالم، غير لبنان، يعاني من هذه المشكلة التي تعني قبل ايّ شيء انّ تغييرا في العمق طرأ على طبيعة البلد ونظامه السياسي والاقتصادي.

 

لا بدّ هنا من التذكير بما قاله الرئيس حسين الحسيني، وهو احد آخر رجالات الدولة في لبنان من الذين تجاوزوا الطوائف والمذاهب والمناطق، عن «انّ الحدّ من حرية تصرف المودعين بودائعهم يشكل خرقاً فاضحاً لأحكام الدستور اللبناني الذي ينص في مقدمته على أن النظام الإقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة. وهو من الأركان الأساسية لميثاقنا الوطني».

 

لم يتعرّض اللبنانيون لاعتداء، بهذا الحجم، على حقوقهم منذ الاستقلال في العام 1943  وحتّى قبل ذلك، منذ الإعلان عن قيام لبنان الكبير في العام 1920. بكلمات قليلة وصّف حسين الحسيني، رجل الاعتدال والسيّد الحقيقي، الذي كان رئيسا لمجلس النوّاب، جانبا أساسيا من المأساة اللبنانية التي يرفض المسؤولون استيعاب ابعادها. يتلهّى هؤلاء، بدلا من ذلك، بلعبة تشكيل حكومة برئاسة حسّان دياب بغية تصفية حسابات داخلية. لا يمكن لمثل هذه العملية الّا ان ترتدّ عليهم عاجلا ام آجلا.

 

لماذا سترتدّ هذه الحكومة، في حال تشكيلها، على الذين يقفون خلفها؟ الجواب انّ شخص حسّان دياب لا يحلّ أي مشكلة باستثناء مشكلة «حزب الله»، الذي يرفض الاعتراف بالازمة العميقة التي يمرّ فيها من جهة، ومشكلة جبران باسيل من جهة أخرى. يعتقد باسيل انّ مستقبله السياسي مرتبط بان يكون عضوا في حكومة برئاسة سعد الحريري… والّا لن يصبح يوما رئيسا للجمهورية!

 

من يعرف ولو قليل القليل عن الوضع في لبنان والمنطقة والعالم، يستطيع تأكيد ان لبنان في حاجة الى حكومة من نوع آخر لا علاقة لها بالاسماء المتداولة ولا علاقة لها بـ»حزب الله» الذي وجد أخيرا سنّيا على استعداد لان يكون رئيسا لمجلس الوزراء بايّ ثمن كان…

 

لاقيمة لايّ حكومة لبنانية على رأسها شخص مثل حسّان دياب. يتبيّن كل يوم ان ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط صحيح وفي مكانه. قال جنبلاط بالحرف الواحد انّ من يشكّل الحكومة في لبنان هذه الايّام هو جميل السيّد المدير العام السابق للامن العام والنائب الحالي الذي يجسّد في شخصه كلّ احقاد النظام السوري وايران على لبنان المزدهر المنتمي الى محيطه العربي. لم يجد حسّان دياب ما يردّ به على جنبلاط، بل تابع تشكيل حكومته وكأنّ شيئا لم يكن.

 

في وقت لا يزال المواطنون اللبنانيون في الشارع منذ ما يزيد على ثلاثة اشهر وفي وقت استطاع «حزب الله» مع آخرين من الحاقدين على بيروت ولبنان تحويل التحرّك الشعبي في اتجاه حملة مركّزة على المصارف وعلى رياض سلامة حاكم المصرف المركزي بالذات، يتلهّى المسؤولون اللبنانيون بالقشور وتوابعها. أي بحصص في حكومة حسّان دياب.

 

ما يغيب عن هؤلاء ان مثل هذه الحكومة ولدت ميتة وان الحاجة الى التصالح مع الواقع ومواجهته بدل الهرب منه. هذا يعني بكل بساطة الاعتراف بانّ كلّ ما حصل في السنوات الثلاث الأخيرة أي منذ وصول ميشال الى موقع رئيس الجمهورية كان تراكما لسلسلة من السياسات الخاطئة في كلّ المجالات. هذا التراكم لا يمكن عزله عن ممارسات «حزب الله» في الماضي القريب بدءا باغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005  وصولا الى انتخاب رئيس الجمهورية الحالي. هذا التراكم لم يستهدف سوى افقار لبنان ونشر البؤس فيه وتهجير خيرة العقول منه.

 

ما يعيشه لبنان حاليا هو من نتائج ممارسات صبّت كلّها في اتجاه افلاس البلد سياسيا واقتصاديا. هل من افلاس سياسي اكبر من ان يصبح وزير الخارجية اللبنانية صوت ايران في مجلس جامعة الدول العربيّة؟ هل من افلاس اكبر من ان الّا يعود هناك مسؤول أميركي على استعداد لعقد لقاء مع رئيس الجمهورية اللبنانية عندما يذهب الى نيويورك؟

 

هناك حلّ واحد امام لبنان. هذا الحلّ اسمه حكومة لا علاقة لها لا بـ»حزب الله» ولا بجبران باسيل الذي يعتقد ان طريق بعبدا تحتّم عليه ان يكون في صفّ «المقاومة» و»محور الممانعة». في النهاية، هناك إدارة أميركية لم تعد لديها مشكلة مع افلاس لبنان وهناك دول عربية قادرة على مساعدة لبنان، لكنّها لن تقدم على ايّ خطوة في هذا الاتجاه من دون توافر شروط معيّنة. لماذا، اذا، اللفّ والدوران في حلقة مغلقة من نوع هل تبصر حكومة حسّان دياب، أي حكومة جميل السيّد، النور ام لا؟

 

لا خيار آخر امام «عهد حزب الله» الذي لعب دوره منذ العام 2016 تحديدا في إيصال لبنان الى الانهيار والافلاس سوى مواجهة الواقع. ما يحصل حاليا في لبنان إضاعة لوقت ثمين ليس الّا. لا يمكن انقاذ «حزب الله» وإنقاذ لبنان في الوقت ذاته. امّا «حزب الله» وامّا لبنان بكل أبنائه من مسيحيين وسنّة وشيعة ودروز وأبناء الطوائف الاخرى. ليس لدى اللبناني سوى لبنان. ليس لدى اللبناني ولدى الشيعة، قبل غيرهم، خيار آخر غير لبنان، وذلك بعيدا عن أوهام «المقاومة» و»الممانعة» التي لم تكن سوى ذريعة لابقاء البلد مجرّد «ساحة» للنظام السوري او لإيران.

 

آن أوان الخروج من مرحلة الهروب من الواقع، بما في ذلك الواقع الإقليمي. الم يسمع المسؤولون اللبنانيون قبل ايّام بان مصر، وهي اكبر دولة عربية وقعت اتفاقا تستورد بموجبه الغاز من إسرائيل؟ ليس مطلوبا التطبيع مع إسرائيل لبنانيا بمقدار ما المطلوب ان يفكّر لبنان في كيفية حماية مصالحه ومصالح شعبه بدل الغرق اكثر فاكثر في الوحول والعقد ورغبات ايران في اخضاع سنّة لبنان بعد اخضاع مسيحييه ودروزه.