أين القوة السياسية لحزب الله حين يكون لبنان على أبواب الخراب ؟
الحزب، كظاهرة عسكرية، وعقائدية، هائلة. أنظروا ماذا يفعل الاسرائيليون الآن عند الخط الأزرق. بعد الحائط الفولاذي، أجهزة استشعار ترصد دبيب النمل (وقيل ترصد حتى عظام الموتى) تحت الأرض. هذا للحيلولة دون مقاتلي الحزب والوصول الى الجليل عبر الأنفاق.
«الاسرائيليون» يعلمون أن ثمة خيارات أخرى غير الأنفاق. عاموس أوز، الكاتب الشهير، تحدث عام 2006 عن «عارض نصرالله» (Nasrallah Symptom ) كظاهرة مرضية لدى الجنرالات…
القيادة في «تل أبيب» لم تعد تمتلك تصوراً محدداً حول الدور الذي يمكن أن يضطلع به سلاح الجو في أي حرب محتملة. ليس فقط لأن القواعد الجوية يمكن أن تتعرض لدمار مريع (ولذلك تم الاتفاق مع دول عربية لاستخدام مطاراتها وقت «الأزمات»)، وانما لأن الطائرات المسيّرة، بالتقنية العالية، يمكن أن تملأ الأجواء بالذبذبات الالكترونية التي تصيب القاذفات بالعمى.
هذا اذا ما استبعدنا فرضية الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات. «الاسرائيليون» واثقون من حيازة الحزب لمثل هذه الصواريخ. في تلك الحالة، ما مصير «ذراع يهوه»، أو «الطيور النحاسية»، كما في الميتولوجيا اليهودية؟
جدلياً، أي قوة ضاربة عسكرياً لا بد أن تنتج قوة ضاربة سياسياً. هذا يمكن أن يحدث في أي مكان آخر الا في لبنان، حيث التشكيل الفسيفسائي للدولة، كما للمجتمع. شظايا سياسية، وطائفية، مبعثرة على كل الجبهات.
هذا لا يمنع من التساؤل لماذا لا يرفع السيد حسن نصرالله اصبعه في وجه رفاق الخط الواحد، والخندق الواحد، حين يختلفون، داخل مستنقعات النار، حول حقيبة هنا وحقيبة هناك؟ على امتداد أكثر من شهر، لم يتمكنوا من تشكيل حكومة، ودون أن يكترث أحد بأوجاع الناس، ودون أن يلاحظ أحد كيف تتساقط أعمدة الهيكل الواحد تلو الآخر…
هنا مشكلة حزب الله. اذا ضرب السيد بيده على الطاولة، لكم أن تتخيلوا ردات الفعل في الشوارع، وفي القصور، وحتى في الدهاليز الملكية في المنطقة.
لا نزال عند قناعتنا بأن شرعية الحزب ليست في صناديق الاقتراع، وحيث النصوص المعلبة والأصوات المعلبة، وانما في وجوده في ضمير الأرض، وفي ضمير الناس. هؤلاء الذين يدركون ما دوره في دحر الاحتلال الاسرائيلي، وفي اقتلاع المغول الجدد من سفوح السلسلة الشرقية.
لولاه لما بقي لبنان. الذين يأخذون عليه دوره في سوريا، يتناسون أن استخبارات البنتاغون تحدثت عن 1200 فصيل مسلح بانتماءات ايديولوجية صماء. أي نظام بديل يمكن أن يقيمه هؤلاء في دمشق ؟ سوريا كانت تحولت، ومعها لبنان بطبيعة الحال، الى حطام…
لبنان، بفعل تلك المنظومة الصدئة، لم يتحول الى دولة، حتى بالمفاهيم الكلاسيكية للدولة. حالات طائفية مركبة على نحو عجيب، وقابلة للانفجار في أي لحظة. اذا حاول الحزب أن يرفع الصوت، لا العصا، ماذا يمكن أن يحصل؟
مثقفون، واعلاميون، وحتى وزراء ونواب، دأبوا على التأجيج المذهبي، بأكثر أشكاله جنوناً، بالرغم من ادراكهم اننا ذاهبون جميعاً الى… الجحيم!
لا حل الا بالضرب على الطاولة. بيننا وبين سقوط لبنان قيد أنملة. بيننا وبين الجحيم قيد أنملة. رفاق المسيرة، والمسار، يحتسون القهوة في مقاهي المريخ. أي نوع من الساسة هؤلاء؟
في اعتقادنا أن الحزب يرى أن ما يحدث على الأرض أكثر بكثير من مسألة الحكومة، واكثر بكثير من مسالة العهد. أنظروا كيف تحترق بيروت، وكيف يحترق لبنان. ثمة من يتولى ادارة الخيوط، وادارة الحرائق. هل حقاً اذا تشكلت الحكومة من دون سعد الحريري ستكون ردات الفعل أشد هولاً مما نراه الآن؟
هذا لا يمنعنا من الرهان على السيد. ان لم يكف الاصبع لتكن العصا. لبنان يلفظ انفاسه الأخيرة…