IMLebanon

الطلاق الحبي مع «حزب الله» 

 

هذا ما كنت توصلت إليه مع رفيق الدرب الدكتور محمد شطح قبيل اغتياله. وقد أفصحت عن هذا الرأي «الخطير» علناً، في مقابلة متعددة الأطراف يديرها مارسيل غانم على شاشة الـ«LBC» في اليوم الذي سبق مراسم دفن صديقي العزيز محمد.

ولكن ماذا يعني الطلاق الحبي مع «حزب الله»؟ كان في ذلك الحين قد أصبح واضحاً لمحمد (ولكن كان واضحاً بالنسبة لي منذ عام 2005) أن المساكنة مع الحزب في الحكومات المتتالية منذ حكومة السنيورة الأولى (13 يوليو «تموز» 2005) كما الحوار معه عن «استراتيجية دفاعية» لا ينفع، لا بل إنه يعطيه غطاء لبنانياً شرعياً مجاناً في وقت أن الحزب يفعل ما يشاء من دون أخذ بعين الاعتبار الرأي الآخر، وبالتالي يدفع بلبنان إلى أن يصبح مقاطعة من الجمهورية الإسلامية في إيران.

كما أن الطلاق الحبي مع «حزب الله» كان يعني أيضاً تحميله حصراً مسؤولية أفعاله وأعماله، وبالمقابل الانطلاق بحركة سيادية جامعة سلمية تطالب بتحرير لبنان من الاحتلال الإيراني الممارس من خلال «حزب الله» («علماً» بأن الحزب جزء لا يتجزأ من الجمهورية الإسلامية في إيران) وتنفيذ الشق من القرار 1559 المتعلق بتسليم الميليشيات سلاحها الذي رفضت 14 آذار في عام 2005 تطبيقه من قبل الأمم المتحدة، بحجة أنه يستجلب المخاطر على الوحدة الوطنية وأن اللبنانيين كفيلون بتنفيذه في مرحلة لاحقة عبر الحوار الهادئ مع «حزب الله» (طاولات الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية التي أنتجت حرب الـ2006 وتنكر «حزب الله» لإعلان بعبدا بتاريخ 11 – 6 – 2012 حين صدوره). غير أن توجه 14 آذار هذا كان يعبر عن تعطش المكونات الرئيسية لـ14 آذار للسلطة بعد حرمانها، انطلاقاً من انتخابات عام 2005 والاتفاق الرباعي («حزب الله»، وأمل، والتقدمي الاشتراكي، والمستقبل) بالإضافة إلى بعض قرنة شهوان.

وقد أعلن الرئيس فؤاد السنيورة يوم الدفن في خطبة رثاء محمد، أن الموقف لن يكون نفسه قبل اغتياله من بعده، غير أنه قبيل الدفن وعند تقبل العزاء أسر لي بأن كلامي خطير. فأجبته أن كلامي هذا هو ما كان يفكر فيه المرحوم، وللأمانة كان علي أن أتفوه به كي تفتح مرحلة جديدة بعد اغتياله.

غير أن تيار المستقبل اتخذ في حينه الموقف المعاكس بتسمية الرئيس تمام سلام لتشكيل الحكومة وأتحفنا بنظرية عقد النزاع مع «حزب الله» عبر تسمية وزراء راديكاليين، أعني نهاد المشنوق وأشرف ريفي، بالإضافة إلى نظرية سخيفة أخرى، عنوانها النأي بالنفس، علماً بأن هذه النظرية أتت بها حكومة ميقاتي الثانية (الثماني آذارية) بعد أن أسقط «حزب الله» وأتباعه بشكل مسرحي حكومة الحريري بتاريخ 12 يناير (كانون الثاني) 2011، وذهب الحريري إلى المنفى الطوعي. فكانت مناسبة جديدة للعودة إلى السلطة عبر مجالسة «حزب الله» الدونية مرة أخرى بدل أخذ العبر والكف عن التحجج بضرورة اتباع السياسة «الواقعية» تجاهه خلاصاً للبنان من الأعظم.

والأدهى، أن مكونات 14 آذار المتهالكة ذهبوا أبعد من ذلك بانتخاب ميشال عون الحليف المسيحي الأول لـ«حزب الله» رئيساً للجمهورية بحجة ضرر الفراغ الرئاسي ولكن بالحقيقة شغفاً بالسلطة. وكان من نتائجها تشكيل سعد الحريري حكومتين انتهت الثانية باستقالته في تاريخ 29 – 10 – 2019 على أثر ثورة 17 تشرين وهرباً من تحمل المسؤولية. وقد أذعنت مكونات 14 آذار المتهالكة لقانون انتخابي يعتمد النسبية أعطى لـ«حزب الله» في عام 2018 الغالبية النيابية بحيث وصّفت إيران في حينها البرلمان اللبناني بأنه برلمان المقاومة.

والحقيقة أنه منذ ذلك الحين، بات «حزب الله» يتحكم في المؤسسات الدستورية الثلاث (رئاسة الجمهورية، والبرلمان، والحكومة) بالإضافة إلى تحكمه في مفاصل السلطة الدولية الأخرى وسطوته على الطبقة السياسية المارقة الفاسدة القاتلة بمكوناتها كافة، التابعة مباشرة له أو حتى المشاكسة له، كونها تتعاطى هذه الأخيرة من داخل اللعبة السلطوية الدولتية.

فلا عجب أن يصل الوضع اللبناني إلى هذا الدرك، ولا عجب أن نرى دول الخليج تنتفض على هذا الواقع في لبنان لأنه يشكل ضرراً استراتيجياً لها.

والحل يكمن في تشكيل تحالف سيادي – تغييري سلمي واسع له مصداقيته يهدف إلى الخلاص من الاحتلال الإيراني كما من الطبقة السياسية المارقة المتجذرة في بنى الاجتماع السياسي اللبناني، مما يفسح بالمجال بعد مرحلة التعافي لنخبة من الشباب السيادي – التغييري بأن يأخذ لبنان إلى شاطئ الأمان والاستقرار والازدهار المستدام.

* سياسي لبناني