IMLebanon

الحاجة إلى “وقفة” مع “حزب الله”

 

أخطر ما في فظاعة الواقع تحويل لبنان الى جمهورية إفتراضية فيها برلمان إفتراضي وحكومة إفتراضية ومسؤولون إفتراضيون. وما كان ممكناً، حتى في الخيال الجامح، أن نتصور إمكان الوصول الى الوضع الحالي الذي هو خليط من الديستوبيا والسوريالية. فلا أحد يبدو قادراً على فعل شيء لتغيير الواقع أو أقله لتخفيف منسوب الفظاعة في الأزمات والتفاهة في السجال حولها. وليس لدى السكارى بالمناصب من دون سلطة، والمتسلطين على السلطة، والمتزاحمين على طريق السلطة، ولو إفتراضية، من يملك جواباً عملياً عن السؤال التقليدي: الى أين؟.

 

الثابت هو ممارسة الأقوياء للسياسة، لا بصفتها فن الإدارة الرشيدة لشؤون الناس بل بجعلها فن التعطيل لشؤون البلد والناس. والمتغيّر هو حاضر لبنان ومستقبله عبر الإصرار على فعل كل ما يؤدي الى قطيعة مع العرب والغرب وما يسد الباب على أية تسوية للأزمة مع السعودية ودول الخليج، ويقود الى المحور الإيراني.

 

ومن المفارقات أن يستغرب السيد حسن نصرالله أحاديث الداخل والخارج عن هيمنة “حزب الله” على لبنان، وهو لم يستطع “قبع” قاضٍ. والمفارقة الأكبر أن يبرر المسؤولون العجز عن مصارحة “حزب الله”، سواء كانوا متواطئين أو خائفين، بخطاب للمجتمع الدولي والداخل موجزه: “حزب الله صار مسألة إقليمية” أكبر من قدرة لبنان على معالجتها. كأن لبنان مساحة جغرافية تسيطر عليها قوة إقليمية تنطلق منها الى عمليات في سوريا وبلدان المنطقة من دون وجود للسلطة، أو كأن البلد مثل قاعدة غوانتانامو الكوبية التي تستأجرها القوات الأميركية.

 

ذلك أن الكل يدرك الحاجة الى “وقفة مصارحة” مع “حزب الله” من باب المصلحة اللبنانية العليا. لا فقط من أجل حل للأزمة مع السعودية ودول الخليج وتسهيل للمصالح الإقتصادية اللبنانية، بل أيضاً لبناء مشروع الدولة والحرص على العلاقات الأخوية للبنان العربي مع أشقائه العرب. ومن الخطأ التصرف كأن المعادلة هي إما نزع السلاح وإما فعل لا شيء. فالقاعدة الفقهية تقول: “ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه”. وعلى هذه القاعدة يجب البحث عن تفاهمات تساعد لبنان من دون الذهاب الى الحد الأقصى مع “حزب الله” وتعيد شيئاً من الإعتبار الى السلطة والدولة من خلال إستعادة قرار الحرب والسلم، بالإتفاق على إستراتيجية دفاعية كانت محل حوار على مدى سنوات.

 

والجميع بات يسلم بأن “حزب الله” لديه مشروع، وهو يتصور أن التحولات في لبنان والمنطقة تخدم المشروع. لكن الدرس الكبير الذي يعلمنا إياه الواقع المعقد والتاريخ هو أنه لا طرف، مهما يكن قوياً، يستطيع وحده تحقيق مشروع في لبنان. فالمشروع الوحيد الممكن هو مشروع الدولة الذي يحتاج الى وفاق وطني حقيقي، وخروج من الطائفية والمذهبية. والهرب منه هو دوران في مأزق.

 

أما تشديد ضغوط الأزمات على لبنان واللبنانيين، فإنه يؤدي الى ما قاله جون شتاينبك في رواية “عناقيد الغضب” حيث “تكبر في أرواح الناس عناقيد الغضب وتصبح ثقيلة جاهزة للقطف”.